بقلم: نشوى الحوفى
تابع الملايين يوم الثلاثاء الماضى أول مناظرة انتخابية بين مرشحى الرئاسة الأمريكية فى الانتخابات المقرر عقدها فى 3 نوفمبر المقبل لتحديد من هو رئيس الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع القادمة، الديمقراطى نائب الرئيس الأمريكى السابق جوزيف بايدن، أم الجمهورى الرئيس الأمريكى الحالى دونالد ترامب؟
المناظرة وُصفت من قبل تحليلات الرأى والمتخصصين فى هذا المجال، بأنها الأسوأ على مدار تاريخ الانتخابات الأمريكية. فكلا المتنافسين لم يدخر وسعاً فى إضعاف موقف الآخر بكل الطرق بما فيها توجيه الشتائم والإهانات إلى الآخر. فإلى جانب اتهام بايدن لترامب بالفشل فى التعامل مع أزمة فيروس كورونا فى الولايات المتحدة -عدد المصابين تجاوز 7 ملايين أمريكى، بينما بلغت الوفيات بسبب كورونا نحو 210 آلاف حالة وفاة- كان اتهامه للرئيس الأمريكى الحالى بالكذب وعدم سداد الضرائب المستحقة عليه فى السنوات الأخيرة والتضحية بمصالح الولايات الأمريكية لصالح روسيا إلى حد وصفه لترامب بأنه «جرو بوتين» على حد تعبيره! بينما سعى ترامب إلى مقاطعة بايدن أكثر من مرة واتهامه بأنه يسارى متطرف تحركه المنظمات المتطرفة كدمية، كما وصفه بالغباء والفشل فى تحقيق أى إنجاز على مدار سنوات عمره المهنية والتى قدرها بنحو 47 عاماً!
بالطبع لا أحد يستطيع حسم الإجابة عن السؤال الأهم فى تلك المرحلة ألا وهو: من سيقنع الناخب الأمريكى بمنحه صوته؟ وبمعنى أدق من تم أخذ قرار حكمه للبيت الأبيض خلال السنوات الأربع القادمة؟ رغم توقعى لوصول بايدن منذ شهور فهو يناسب المرحلة حتى من قبل كورونا.
ولذا فرغم تصدر «بايدن» بفارق بسيط فى استطلاعات الرأى إلا أن السباق لم يحسم بعد بين الاثنين. ولكن يستوقفك فى هذا المشهد الانتخابى -الذى صدرته واشنطن للعالم- عمر كلا المرشحين فى بلد دعم فوضى الثورات فى بقاع عدة من العالم تحت شعار تمكين الشباب! فـ«بايدن» البالغ من العمر 78 سنة و«ترامب» الذى يصغره بنحو 4 سنوات أى 74 سنة، ليسا من الشباب على الإطلاق.
بالطبع لا يمكننا إغفال روح المؤسسية التى تسود الولايات المتحدة الأمريكية وقوانين إدارة المنظومة السياسية فى ذلك البلد الذى اتفق من يدير المشهد فيه على أن يكون الصراع النهائى دوماً بين الفيل والحمار -رمزَى الحزبين الجمهورى والديمقراطى- ولكن يمكننا مناقشة حقيقة ما صدروه لنا على أنه قيم أمريكية لا يأتيها الباطل من خلفها ولا أمامها. فالتكمين ليس للشباب وليس للمرأة وليس للمدنيين وليس العسكريين، التمكين لديهم وفق المصلحة التى تتطلبها بلادهم ووفق ما يرونه مناسباً لها. وهذا هو المطلوب دوماً فى أى بقعة من بقاع العالم، تغليب المصلحة العامة وفرضها على الجميع ومنح القادر على تحقيقها كل الصلاحيات. ولكن ما زال بيننا من يعيش مردداً عبارات جون ماكين السيناتور الأمريكى الراحل ونظرائه الأمريكيين ممن أدوا أدوارهم فى تنفيذ مخطط برنارد لويس - بيرجينسكى الموضوع منذ العام 1977، ككونداليزا رايس وكولن باول وأوباما وبايدن وغيرهم الكثير، لتحقيق الفوضى فى العالم تحت دعاوى قيمهم فى التغيير والديمقراطية وتمكين الأقليات وتمكين الشباب والنساء والحريات هى ما يجب أن تسود العالم. بينما واقع الأمور يحتاج إلى رؤية أعمق من مجرد الألفاظ فى المشهد الأمريكى.
وهذا ما يبهرنى فى السياسة الأمريكية، ليست القيم ولكن تغليب المصلحة، مصلحتهم بالطبع، حتى ولو كذبوا أو ادعوا أى مبررات أخرى لخداع الرأى العام الأمريكى لديهم أو المغيبين فى دول العالم ممن لا يزالون يرون فى أمريكا مرفأ القيم والحريات وأرض الجنة المنشودة. نعم المغيبون الذين يهدمون بلادهم بالعنف أياً كان مبرره ويخربون المؤسسات ويطالبون بنسفها لبناء غيرها دون أن يعلموا أن ما يقع لا يتم بناؤه مرة أخرى وأن الهدف هو الهدم لا التنمية أو التطوير. المغيبون الذين يرددون عبارة تمكين الشباب دون أن يسألوا أنفسهم عما يمتلكه الشباب من خبرة وقدرات وكفاءات. أرددها دائماً أنا وجيلى نمثل الأمس وبعضاً من اليوم وربما جزءاً صغيراً من الغد، بينما الشباب من مختلف الأعمار هم الغد، وواجبنا أن نمنحهم خبراتنا ليضيفوا لها ويقودوا مستقبلهم دون تكرار أخطائنا.