بقلم: نشوى الحوفى
بحكم الواقع.. بالطبع جاء خبر إلقاء القبض على محمود عزت، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين والقائم بأعماله، يوم الجمعة الماضى، بمثابة ضربة موجعة لتنظيم احترف الإرهاب منذ سنوات إنشائه الأولى، فمحمود عزت لم يكن فقط مصدراً للقرارات للجماعة داخل وخارج مصر، بل هو -ووفقاً للمعلومات المتاحة عن الجماعة- من منح التنظيم الخاص للإخوان الروح منذ سبعينات القرن الماضى.
ولكن، وبحكم التاريخ، لا أميل إلى تصديق عبارات من عيّنة أن الجماعة أصبحت بلا رأس الآن بعد القبض على عزت، فبأحاديث من كانوا فى الجماعة وتركوها أو انقلبوا عليها، يعلم الجميع الطريقة العنكبوتية التى يتم بها تشكيل الأسر وتنظيم الأعضاء وخلق البدائل وصناعة متخذى القرار على جميع المستويات والتدريب على ذلك فى أسرع وقت. ودليلى من التاريخ أن الجماعة لم تنتهِ بمقتل حسن البنا عام 1948 ولم تصبح بدون رأس يحركها، كما أنها لم تنتهِ بإعدام سيد قطب عام 1965 وسجن غالبية قياداتها، فقد نجح الجسد مقطوع الرأس والذيل المتلاعب بالعقول فى غزو المجتمع ومواصلة التمكين للجماعة الإرهابية.
لماذا أصر على هذا النقاش؟ حتى يظل حذرنا حاضراً وإصرارنا مستمراً على مواجهة تلك الجماعة المنتشرة للأسف بين مكونات المجتمع المصرى. لا أمنياً فقط ولكن فكرياً وتعليمياً واجتماعياً. التسليم بأن الجماعة أصبحت بلا رأس يضعنا فى مأزق نهاية الحرب بكل تفاصيلها التى ذكرتها، فهؤلاء تدربوا على الاختفاء والعيش تحت الأرض وإدمان المظلومية والتماهى كالحيّات فى الصحارى حتى لا تراهم الأعين. أكاد أجزم أنه، وبمجرد القبض على محمود عزت، فإنه تم الإعلان داخلياً عمن يقوم بدوره لا على مستوى القمة فى تلك الجماعة المشبوهة وحسب، بل على مستوى القيادات المتوسطة والصغرى لتكمل مهامها المكلفة بها بخطط معدة مسبقاً.
نعم كان محمود عزت رأس التنظيم فى ظل المرشد وفى غيابه مع خيرت الشاطر، يقولون عنهما إنهما ورثة سيد قطب فى الفكر العنيف واستسهال القتل وإباحة إزهاق الروح والوطن الذى لا يعترفون به. وانتمى لهما عبر سنوات طويلة الكثير من أعضاء التنظيم بدافع الاقتراب من أصحاب النفوذ والكلمة النافذة فى الجماعة، وبدافع الفكر المتطرف والإرهابى من جهة أخرى، وهو ما يفسر اختباءه لمدة سبع سنوات داخل مصر -حسب المعلومات المتاحة- بمساعدة عدد من أقرب معاونيه، فى وقت تم الترويج لوجوده فى غزة وتركيا وقطر وبريطانيا، بينما حُكم عليه غيابياً فى مصر بالإعدام والمؤبد فى عدد من الجرائم لعل أبرزها التخابر والهروب من سجن وادى النطرون وأحداث العنف فى مقر الجماعة بالمقطم وتهم أخرى سيعاد محاكمته فيها وفقاً لشهادة المتهمين والأدلة.
ربما كان توقيت عملية القبض عليه هو ما يعنى الكثير بالنسبة للجماعة المنكوبة فى عقلها وضميرها، فتركيا تتراجع عن المواجهة مع مصر عبر قنواتها الرسمية، حيث أعلن أردوغان عن فتح قناة اتصال مع المخابرات المصرية، بل وأعلن أن تاريخاً مشتركاً يربط بين البلدين فى حديث تليفزيونى له منذ عدة أيام، كما يتواصل حديث الأحزاب التركية عن مصر وعدم وجود أى سبب منطقى لعدائها من قبَل النظام التركى الحاكم. وهو ما يعنى أن الجماعة الهاربة التى تعيش على تمويل المخابرات القطرية فى تركيا وبريطانيا وقطر وغيرها من الدول، لا بد وأنها تراجع حساباتها على جميع المستويات، فإن لم يكن الخوف حاضراً لدى قيادات خانت وباعت وطنها من أجل حفنة دولارات قذرة ملوثة بالدم ومتسخة بانعدام الشرف، فلا بد أن قواعد الجماعة تتساءل برعب عن مصيرهم فى حال قررت الدول التى تؤويهم تسليمهم لمصر كما حدث مع متهمين آخرين من الإخوان فى السابق.
ومن هنا علينا توقع ما اعتادوه منذ سنوات بعيدة من النواح ببكائية واحدة تتحدث عن ظلم يتعرضون له وحريات يفتقدونها وديمقراطية يسعون لتحقيقها، يتبعهم المغيبون كالعادة. فى نفس الوقت علينا الحذر من ترك مقود صناعة الخبر وتحليله وتقديم التاريخ دون ملل من تكرار يفضح ما دأبوا على الترويج له، دون تراجع عن إصلاح وتنمية ومواجهة أخطاء. كما علينا الانتباه والحرص من عمليات ربما يسعون لها.. حلاوة روح.