بقلم: نشوى الحوفى
الفارق بين العقل والهوى هو الفارق بين الرأى والمعلومة. فالعقل قادر على تحليل البيانات وربطها ونقدها واستخلاص النتائج منها، أما الهوى فهو على حسب أمور أخرى ليس من بينها نزاهة الحكم، كالمصلحة والمشاعر، وأحياناً الغوغائية. والفارق بين العقل فى القيادة والحكم على الأمور من جانب، وبين الهوى فى تقدير المواقف والأشخاص من جانب آخر، شاسع للغاية، فشتان ما بين الاثنين، لا فى التوصيف وحسب، ولكن فى النتائج أيضاً. فحكم الهوى كارثى، أما حكم العقل فمدعوم بالدليل.
من هنا أجدنى ذاهلة من تلك الحملة المركزة على مصر إعلامياً فى قنوات ومواقع تواصل اجتماعى، تقودها بوضوح بشكل معلن أجهزة ودول لم تنسَ ثأرها مع مصر حينما فشلت خطط استمرار حكمهم فى 2013 عبر توكيل جماعة إرهابية لم تفعل سوى بيع الوطن الذى عرفوه بحفنة من تراب عفن، وتجارة الدين وارتداء عباءته وتزوير مفاهيمه وتغييب البشر. فتركز الحملة على كل شىء فى مصر وكأننا نعيش فى جهنم الحمراء. فكل جريمة يتم تعميمها وكأن المجتمع كله مجرمون! وكل حديث للرئيس أو لوزير أو حتى لشيخ أو مسئول يُقتطع من سياقه ويقدّم بما يُنافى الهدف منه! وكل قرار فى ظل سيادة القانون هو جبروت الحكم فى مصر! وكل مسار هو الفشل على أرضنا! وكل خطوة هى ضد الغلابة، مع تحفظى على هذا اللفظ من الأساس!
نعم تركز قنوات الإخوان المموّلة من قطر فى تركيا، وعبر قناة الجزيرة فى الدوحة، وقناة العربى فى لندن، وعدد ما شئت من مسميات على مواقع الإنترنت التى ربما لم تسمع عنها من قبل، على أحوالنا فى مصر بفجاجة وقلب للحقائق والمسميات، سعياً لتسميم العقول وقتل كل أمل فى النفوس، وللأسف يصدقها البعض، وكأن العالم قد خلا من الأزمات والمشكلات إلا فى مصر فقط!!!
لتتعجب من تلك القنوات التى تخصص مالها ووقتها وبثها لتركيز غضب المصريين ووجعهم فى مشاهد وفقرات لا علاقة لها بالمنطق إن سلمنا أن الجنة لم تُخلق على الأرض، خاصة فى تلك الدول التى يشغلها حالنا إلى تلك الدرجة، بينما لا يفردون تلك المساحة لغيرنا!
فالولايات المتحدة تجتاح مدنها مظاهرات منذ عدة أشهر تنديداً بالعنصرية، وفى ظل فقدان نحو 35 مليون مواطن لعملهم بسبب كورونا وطرد السكان فى حال عجزوا عن دفع الإيجارات المستحقة. و«الجزيرة» تصور إصرار مصر على تنفيذ قانون المخالفات فى البناء والتعدى على الأراضى، كأن الدولة هى الجانى لا الفاسدون ممن حصلوا أو منحوا تراخيص مخالفة!
العملة فى تركيا تنهار مع تصدّرها قائمة أسوأ عملات الأسواق الناشئة خلال العام الحالى وفق وكالة رويترز التى نشرت تقريراً عن مخاوف من أزمات اقتصادية ناجمة عن قُرب نفاد احتياطى النقد، بينما تواجه تركيا أزمة قرب حلول موعد سداد 170 مليار دولار من سلة ديونها التى تتجاوز 450 مليار دولار، فى ظل تراجع ناتجها القومى إلى نحو 750 مليار دولار، أى إن الدين الخارجى لتركيا يتجاوز 50% من ناتجها! بينما «الجزيرة» مشغولة بدين مصر الخارجى الذى تنفق منه على مشروعاتها ونهضتها، لا على حروب الوكالة فى اليمن وليبيا وسوريا والعراق والبحر المتوسط، كما تفعل تركيا!
الضرائب تتجاوز 48% من دخل المواطن الفرنسى، أى ما يقرب من نصف دخله، بينما يدفع ثمن الخدمات كاملة بلا دعم، وفى قطر التى لا يتجاوز سكانها 350 ألف نسمة، وتمتلك أكبر حقل للغاز فى العالم تتجاوز ديونها وفقاً لتقرير البنك الدولى 160 مليار دولار!!! ليكون السؤال لماذا تستدين قطر من الأساس؟
تلك نماذج لبعض من دول توصف بأنها غنية وتنعم شعوبها وفق منظومة الإعلام العالمى، لا وفقاً للحقائق، بحياة الرفاهية والثراء، فلماذا شحن النفوس ضدنا؟ نعم ما زالت لدينا مشكلات فى الاقتصاد والتعليم والصحة، نعم ما زلنا نواجه الفساد والإرهاب، ولكن ما زال لدينا وطن نبنى ونعمّر ونغيّر فيه بما يفوق قدرات من يمولون قنوات هدمنا وتغييب العقول بيننا لتحكم بهوى الغضب لا بمنطق العقل. فهل ندرك ونرفض عروض الغريب الممسوخة الزائفة، لأنها أكذوبة هدفها تشويه الحقائق؟