بقلم: نشوى الحوفى
تمنيت لو أن هدأت أصوات الشجب والتنديد الفارغة من مضمون الفعل، لتعى حجم مأساة المواطن الفلسطينى وهو يرى أرض بلاده تتلاشى وقضيته تتناساها الدول، بينما يتاجر بقضيته البعض، ويستغلها البعض الآخر.
أعلنت الإمارات توقيعها سلاماً مع إسرائيل، فهاجت الدنيا مرة أخرى بالطريقة نفسها التى عاشتها مصر 1979 حينما وقعت اتفاقيتها مع إسرائيل لاستعادة الأرض. وسبق الجميع فى الغضب القيادات الفلسطينية فى حماس، التى تسيطر على قطاع غزة، وفى منظمة التحرير التى تسيطر على رام الله!
لم تدرك القيادات الفلسطينية المتوحّدة على الغضب، أنهم مختلفون فى ما بينهم، يقتسمون ما جادت به إسرائيل عليهم لحل قضية بيعت لإيران وتركيا وقطر وغيرها من الدول. لم تتوقف القيادات لتسأل نفسها سؤالاً بسيطاً مفاده: ماذا جنينا من استراتيجية الغضب والمقاطعة على مدار سنوات هى عمر القضية؟ ثم إذا كانت استراتيجية الغضب لم تمنحنا ما سعينا له، فهل نحن بحاجة إلى تغيير تلك الاستراتيجية للحصول على حقوقنا الضائعة؟
المخلصون من الفلسطينيين يعرفون أن الأزمة منذ بدايات ضياع الأرض حينما أعلنت بريطانيا عن وطن قومى لليهود فى فلسطين كانت فى انتظار من يحل لهم أزمتهم، يحارب بدلاً منهم، يتفاوض بالنيابة عنهم، يتكلم باسمهم. نعم تلك أزمة استمرت حتى ارتضى الفلسطينيون جميعاً دور الضحية المضطّهدة والمظلومة منزوعة الأرض، بما فيهم القيادات المتعاقبة. لو نظر أى فلسطينى أو عربى غاضب على خريطة فلسطين، لأدرك أنه قد ضاع منها نحو 78% فى الفترة بين عامى 1917 و1948، وهى المساحة التى أعلنت عليها دولة إسرائيل المحتلة. وسعت الأمم المتحدة للتدخل وقتها لإقرار حل الدولتين. كانت الأرض المتاحة للفلسطينيين وقتها تقدر بنحو 22% من أرض فلسطين وضمت قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، فرفضوا التفاوض وقاطعوا ومعهم العرب جميعاً. حتى كان عدوان 5 يونيو 1967، فاحتلت إسرائيل ما تبقى لهم، فباتت المطالبة بعد 5 يونيو 1967 بالعودة لحدود 4 يونيو 1967 وفقاً لقرار الأمم المتحدة 242! ثم رفضوا الجلوس على مائدة مفاوضات مصر مع إسرائيل عام 1977 - 1979 لاستعادة تلك الحدود وتلك النسبة الـ22%، بل وقاطعوا مصر واتهموها بالخيانة! ثم أيّدوا غزو العراق للكويت! ثم عادوا وقبلوا بفتات التفاوض على مائدة مؤتمر مدريد 1991، وانتهت باتفاقية أوسلو 1993 التى منحتهم 1.5% فقط من الأراضى فى الضفة الغربية بدأت بغزة وأريحا وحكم ذاتى فى حماية إسرائيل. وتلا ذلك أكثر من انتفاضة فلسطينية، وأكثر من حرب إسرائيلية، وأكثر من محطة تفاوض ومبادرات. كلها انتهت إلى لا شىء. فإسرائيل كانت تتمدّد وتتوغّل سعيدة بالانقسامات العربية العربية، ثم بالانقسامات الفلسطينية الفلسطينية حينما اقتتل الفلسطينيون عام 2007 على فتات ما حصلوا عليه، ففعلوا ببعضهم أسوأ مما فعله الاحتلال بهم! وتفرق دم القضية بحثا عن مصالحة وسلام بين الفلسطينيين، لا بينهم وبين إسرائيل.
ووقعت أحداث ما سموه بربيع عربى التهم أمن الكثير من الدول العربية واستقرارها وبنيتها التحتية، وبرزت حماس تؤيد الإخوان فى كل الأماكن المكلومة، معلنة أنها الذراع العسكرية لهم، وذاقت مصر المر من خيانة لا تستحقها! وكأن انهيار الدول العربية سيُعيد فلسطين، ويحل مشكلات أبنائها! ثم كان إعلان أمريكا لما سمّته صفقة القرن والقدس عاصمة إسرائيل الموحدة وضم الجولان رسمياً لإسرائيل. وشجب العرب والفلسطينيون دون شىء. وأخيراً كان إعلان إسرائيل نيتها ضم الضفة الغربية لها، وهو ما يعنى فقدان الفتات الفلسطينى. كل هذا والقيادات الفلسطينية لا تمارس إلا استراتيجية الغضب المدعومة بعلاقات مريبة مع قطر وتركيا وإيران، بينما المواطن الفلسطينى هو وحده من يدفع الثمن. والأرض الفلسطينية تتآكل وإسرائيل تتعايش.
كسب ترامب بإعلان السلام بين الإمارات وإسرائيل والإعلان عن دول عربية أخرى فى الطريق وعدل كفة ميزان الانتخابات التى كانت تميل نحو بايدن. وكسبت إسرائيل مساحة جديدة تتحرك فى العلن بعد أن كانت علاقاتها العربية سرية فيما عدا مصر والأردن. كسبت الإمارات بسحب ورقة إسرائيل من يد تركيا وقطر، ويخسر الفلسطينيون مجدّداً باتباعهم الاستراتيجية نفسها الغاضبة الخالية من تفاوض واقعى وخيال سياسى ناضج يعيد بعضاً من حقوقهم.