بقلم - نشوى الحوفى
نعم، هم ليسوا مجرد طلبة يدرسون الطب، أو طلبة يدرسون علوماً عسكرية، ولكنهم مزيج من بذور علماء يجمعهم حب العلم والالتزام العسكرى فى مؤسسة تعليمية لا تسعى لتخريج أطباء وحسب، ولكن لتخريج أطباء علماء قادرين على البحث العلمى فى الأمراض وطرق التعامل معها وإيجاد العلاج لها. ترى فى ملامحهم المصرية الخالصة أحلام الأهل وصبرهم، وانتظار وطن للحظة يستعيد فيها مجده حينما علّم العالم فنون الطب وعلومه. يقودهم فى كل هذا إصرار قائد يعلم أننا نستطيع لا بحزم الإدارة فقط ولكن بالأخذ بالأسباب العلمية وإتاحة المناخ العلمى الجاد.
هكذا هى كلية طب القوات المسلحة التى شرفت بزيارتها مرتين لإلقاء محاضرتين بها، لأرى بعينى مصنعاً مصغراً لعلماء قادرين على قيادة مصر إلى مكان آخر إن استمر عطاؤهم وجدهم بهذا المستوى. أشاهد حضورهم فى مسابقة Igem العالمية للبحث العلمى والهندسة الوراثية فى نوفمبر الماضى بمدينة بوسطن الأمريكية، والتى شارك بها أكثر من خمسة آلاف طالب يمثلون 337 فريقاً بحثياً من أكثر من 40 دولة. ألتقى فريق الكلية البحثى المشارك بالمسابقة والفائز بالمستوى الأول والميدالية الذهبية وأستمع لما طرحوه فى تلك المسابقة من أفكار تناولها بحثهم الساعى لإيجاد حل لسرطان الكبد من خلال الهندسة الوراثية باستغلال التقنيات المعلوماتية الحياتية وبرامج البيولوجيا التخليقية. يفرح قلبى وأنا أتابع إشادات المشاركين معهم من دول العالم بهم. أنظر فى الوجوه التى تجلس أمامى تحدثنى فأدرك تنوع خلفياتهم، من كفر الدوار والشرقية والمرج والقاهرة والغربية ومدينة السلام، ليؤكدوا لك أن العدالة الاجتماعية لا تعنى عدالة التوزيع ولكنها تعنى عدالة توزيع الفرص ليصعد كل صاحب كفاءة وهمة.
أتابع السير بين أقسام الكلية فتبهرنى قاعاتها المتعددة المعدة على أعلى مستوى. يرافقنى فى جولتى مدير الكلية اللواء الدكتور أيمن الشافعى، يستوقفه طالب يمر بجوارنا فيقطع شرحه لى ويسأله عما إذا كان قد انتهى من مهمة كان يؤديها، يستمع باهتمام ثم يتحرك بتلقائية أب ليقطع بيده قطعة صغيرة من خيط رفيع كانت فى بالطو الطالب الأبيض. نواصل جولتنا ليأخذنى إلى قاعة يتم فيها تدريب الطلبة على الأداء الأمثل للطبيب مع الحالات المرضية التى يتصدى لها عبر أداء تمثيلى يشارك فيه الجميع بكافة الأدوار بالتناوب. أفهم أن تلك المحاضرات هدفها تجنب أخطاء التعامل مع المرضى من قبَل الأطباء وفقاً للمعايير الدولية.
أقرأ فى مطلع شهر مايو الحالى منشور المؤتمر السنوى الدولى للعلوم الطبية الحيوية ISCOMS مزيناً بصور ثلاثة من أبناء كلية طب القوات المسلحة هم: بدر محمد وعبدالرحمن حبشى وأحمد جلال، وجميعهم بالسنة الرابعة سيتشاركون مع 72 طالباً من 28 دولة كسفراء عن مصر فى مجالهم الطبى البحثى. أتأمل صور الثلاثة ويستمر دعائى لهذا الصرح بالمزيد من التقدم الذى لا يسعى لتخريج أطباء وحسب ولكن علماء قادرين على الارتقاء بالخدمة الطبية فى مصر والعالم عبر شراكات مع جهات بحثية محلية ودولية.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع