بقلم - نشوى الحوفى
من حق كل إنسان اختيار المنبر الذى يظهر عليه ويوجه من خلاله رسالته، ومن حقنا تقييم الرسالة فى إطار النافذة المرسلة لنا من خلالها. لذا لا تحدثونى عن الأمانة والوطنية والكفاح واستقلال الرأى إن أردتم الظهور على قنوات معروفة بأنها قنوات حكومية تديرها بشكل علنى مخابرات دولها. من هنا أتوقف أمام تجربتين أثار صاحباهما الكثير من الجدل بين مؤيد ومعارض. ولكن حديث اليوم حديث يتعلق بالمنبر الذى استخدمه كل منهما.
البداية مع يسرى فودة الذى قدم بعد أعوام من إثارة الجدل عبر عمله فى «بى بى سى» و«الجزيرة» و«أون تى فى» فى مصر، برنامجه «السلطة الخامسة» على قناة «دويتش فيله» الألمانية عام 2016 قبل رفته منها مؤخراً فى صمت تام من الجانبين، بينما اتهامات بالتحرش بفتيات القناة تلاحقه!
خرج يسرى من مصر وهو يتحدث عن القمع والحريات المسلوبة والرأى المكتوم صوته فى بلادى، مُعلناً ومعه دراويش صدقوه أو روجوا له احتضان ألمانيا لفكره وروحه المناضلة. بالطبع كان البرنامج متخصصاً فى الهجوم على مصر فى غالبية حلقاته ببراعة «بياعين الهواء المفتوح»، فى زمن العالم الذى بات قرية يوجهها «شيخ الغفر» الأمريكى. كان هناك معلومات حقيقية وكان هناك معلومات مضللة ويا ويل العقول الناقدة. ولكن كان الغريب ادعاء النضال فى قناة تُعرّف نفسها صراحة بأنها الإذاعة الدولية للحكومة الألمانية للعالم الخارجى منذ إنشائها عام 1953، وهو توجه صاحَب كل الدول الاستعمارية بعد الحرب العالمية الثانية للسيطرة فكرياً وثقافياً على الدول التى كانت تحتلها عبر الإعلام. ولذا يكون السؤال: «هل يحق لأى من كان أن يعمل فى قناة حكومية تديرها مخابرات ألمانيا ويحصل على راتبه منها -وقد كان مبلغاً سخياً فى الحلقة التى خصص غالبيتها للهجوم على بلاده- ثم يدعى بعدها أنه مناضل فى سبيل الحرية؟»، وهو أمر ينطبق بنفس ذات المبدأ على قاطنى «الجزيرة» على سبيل المثال والذين لا أعرف كيف سيمكنهم العودة لمصر إن رغبوا؟
ثم كان برنامج إبراهيم عيسى فى مارس 2018 حاملاً اسم «المُختلف عليه» على قناة الحرة الأمريكية التى جاء تأسيسها فى العام 2004 بعد احتلال العراق بتمويل من الحكومة الأمريكية وتبعية صريحة لـ«سى آى إيه» معلنة فى حينها أن هدفها الوصول للعقل العربى بالقيم الأمريكية. تماماً كما فعلت أمريكا بإطلاق راديو «سوا» قبلها بسنوات لتحقيق ذات الهدف. ومن هنا يكون السؤال عن برنامج إبراهيم عيسى المختلف عليه، هل يُعقل أن نصدق أن أمريكا صانعة الملالى ووريثة الإخوان ومروجة الوهابية السلفية بأموال السعودية ودول الخليج وداعمة دعاة «البادى لانجويدج»، هل يُعقل أن تقدم برنامجاً هدفه كما تقول -على صفحة حرتها- «التأكيد على أهمية الحوار والاختلاف فى مناقشة قضايا الفكر الدينى لإعلاء ثقافة الحوار والنقاش فى الفكر الإسلامى بعيداً عن الجمود والتخشب»؟ أىّ إسلام تتحدث عنه «الحرة»؟ ولو افترضت عقلانية هذا الطرح فهل يرضى إبراهيم عيسى المناضل بقلمه أن يقبض راتبه من المخابرات الأمريكية أيا كانت المبررات؟ مع العلم استمرار تقديمه لأكثر من برنامج على إذاعة نجوم إف إم المصرية!
لا أعرف كيف صدق كل منهما نفسه ولا كيف صدقهما من تابعهما بدعوى تحطيمهما لوثنية الفكر وجموده ودعوتهما للتحرر. عفواً يا سادة فالمنبر لم يكن لائقاً بما ادعيتم من نضال ولا ما ادعيتم من وطنية.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع