بقلم: نشوى الحوفى
هل تابعت مثل ملايين العالم حدث نقل 22 مومياء ملكية إلى مرقدها الأخير من المتحف المصرى بالتحرير إلى متحف الحضارات بمصر القديمة؟ هل أدركت عظمة تاريخك الذى خلّد العلم فيه جثامين من منحوه الفخار رغم مرور ما يزيد على خمسة آلاف عام على موتهم؟ هل توقفت للحظات أمام تساؤلات نفسك وأنت تفكر فى هؤلاء الملوك والملكات وسيرتهم الممتدة عبر كل تلك السنوات بين استشهاد لتحرير أرض كسقنن رع، أو طرد محتل كأحمس، أو لردع غازٍ فى ليبيا وعند حدود مصر الجنوبية كأمنحتب الأول، أو لمد نفوذ واستكشاف أرض وحماية منابع نيل كحتشبسوت، أو إعمار الأرض بالهندسة والطب والحكمة كأول مهندس معمارى فى العالم، أو لإعادة فرض السيطرة المصرية فى الشام وعلى حدود مصر كسيتى الأول؟
هل أدركت حكمة مكان متحف الحضارات فى الفسطاط أول عاصمة بعد الفتح العربى لمصر ودخول الإسلام لها؟ هل أدركت سعة الرسالة المحمدية لاستيعاب حضارة القبط الذين أوصى بهم رسول الإنسانية خيراً، فمنهم رحماً أم العرب هاجر القبطية من قبل المسيح، زوجة خليل الله إبراهيم، التى خلّد الله سعيها بين جبلين ليكون أحد أسس الحج المذكورة بالقرآن رغم أنها لم تكن تتعبد أو تدعو الله، هى فقط كانت تسعى لإحياء الوليد بيقين أن من أتى بها لن يخذلها. ومنهم خير أجناد الأرض فهم فى رباط ليوم الدين. هل أدركت حكمة المكان الذى حوى بطمأنينة جثامين من حموا بلادنا بترحاب وتطوير وتنمية؟
هل شاهدت وقائع الانتقال من التحرير المُزيَّن بمسلة فى قلب العاصمة القاهرة تحيط بها كباش الأقصر فى مهابة وإبهار؟ هل شاهدت جمال الموكب وعظمته وجلاله وهو ينتقل عبر طريق تتنوع فيه آثار التاريخ بين قاهرة الخديوى وقاهرة صلاح الدين وأخيراً فسطاط ابن العاص؟ وذلك بعضٌ ضئيل من كل. هل أبهرتك ملامح الاحتفال وجمال المتحف وتصميمه وطرق العرض به؟ هل استمعت لأصوات آلات الفن المصرى وهى تعزف معزوفات مصرية عالمية بأصوات لا مثيل لها فى الكون برقى وثقافة؟ هل شاهدت عظمة بلادك وأحسها قلبك واستيقنتها روحك؟
هل لاحظت ذلك المشهد الذى وصلت فيه المومياوات لمتحف الحضارة حين انطلقت 21 طلقة لتحية الموكب الملكى فى إجلال مهيب اللحظة؟ هل رأيت مبادرة رئيس مصر العظمى وهو يسرع ليكون فى استقبال الموكب الملكى عند بوابة المتحف أثناء عبور التوابيت لمقرها الأخير؟ هل أيقنت المعنى من ذلك المشهد؟ أقولها لك: رئيس مصر الحالى صانع نهضتها الحديثة حامى حدودها ومطوِّر جيشها وطارد هكسوس زماننا، يقف إجلالاً وتكريماً لمن سبقوه فى صناعة تاريخ بلادنا وحماية أرضنا. مشهد كان يقول ببساطة: التاريخ يعبر أمام الحاضر بعظمته، يؤكد على الحاضر ما عليه فعله، يعضّد قوته ليترك للمستقبل ما يستحق الخلود.
ربما يرى البعض ما حدث مجرد نقل مومياوات تاريخية، ولكننى أراه عنواناً لدولة ضاربة فى جذور التاريخ، متواصلة الإنجاز والإعجاز. دولة تعلن للعالم بين الحين والآخر عن هويتها الحاوية للتنوع والتى لا يمكن طمسها.
تحيا مصر بتاريخها وحاضرها البانى لمستقبلها.