بقلم - نشوى الحوفى
أتعجّب من استبداد البشر وقد حصروا تعريف الاستبداد فى سلطة الحاكم وتناسوا استبداد الرعية حين يستبد بها الجهل وسلطان المال وغياب الضمير وتسلط النفس. أتعجّب دوماً من بشر يتحدثون عن استبداد السلطان بينما الرعية فى بعض الأحيان أشد استبداداً كلٌّ وفق مبتغاه.
فحينما أنظر إلى قضية الشابة المصرية مريم مصطفى، ولا تزال جوانبها غامضة، أتعجّب من استبداد التلوُّن بمن ادعوا حقوق الإنسان وحماية حرياته وأمنه فى بلاد الإنجليز -التى اعتادت على تتبع جرائم الانتحار والجاسوسية وتوطين الإرهاب وتأسيس فروعه منها- فوفقاً لجريدة «التايمز» وتصريحات أسرة مريم فقد تجاهلت الشرطة بلاغاً ضد ذات المجموعة من نحو أربعة أشهر رغم لجوء الضحية لهم، كما أفرجت عن إحدى الفتيات المتهمات بكفالة مشروطة بدعوى عدم ثبوت التهمة! ولو كان هناك عدم ثبوت فمن أين جاءت الكفالة المشروطة؟ ولمَ لم يتم تفريغ كاميرات المتابعة فى المركز التجارى والحافلة والشارع؟ وأكرر ذات سؤال خال الضحية: ماذا لو كانت مريم إنجليزية تعرضت لذات الحادث فى بريطانيا أو مصر على يد متطرفين أو بلطجية؟
وحينما أتذكّر مشهد خالد داود وشلة المنتفعين حوله وهم يقفون أمام السفارة الإيطالية ممسكين بلافتات تندد بالداخلية المصرية بعد يومين فقط من كشف جثة «ريجينى» الإيطالى على الطريق الصحراوى فى مصر، وموقفهم الصامت متجاهلين قضية مريم وما ألمّ بها فى بلاد يدّعون ديمقراطيتها، أتعجّب من استبداد هوى الذات ومصالحها بعقول البشر ممن يدّعون التفكير بالعقل ويرددون عبارات الحرية والديمقراطية ونبذ الاستبداد سلوكاً وحكماً! فهل تتجزأ حقوق الإنسانية وفقاً للموقع الجغرافى ودرجة الأهمية؟ أم تُحسب بانتماءات المال وجهات توريده الممنوحة لمن باع أهله وعرضه وكلمته؟!
وحينما أنظر لمن يسعون بكل ما أوتوا من قوة لإثبات وجهة نظرهم، ولو بالتدليس أو التغييب أو الإنكار فيما يتعلق بإقبال المصريين على مراكز الاقتراع بالخارج لتأكيد ما سبق أن قالوه عما سيكون عليه الوضع من ضعف إقبال، أتعجّب من استبداد الجهل المقنّع بأوجه ادعاء الثقافة وأدوات التحليل.. أتعجّب من استبداد من تنادَوا بالديمقراطية والحرية واحتكروا تفسير الأمور ومن عداهم لا يفهم ومن اختلف فهو على خطأ.
أتابع استبداد الفساد والجهل وتغييب العقل قبل استبداد السلطة والنفوذ وأتذكّر كلمات «الكواكبى» حينما قال: «خلق الله الإنسان حراً، قائده العقل فكفر وأبى إلا أن يكون عبداً قائده الجهل، ولذا كان المستبد فرداً عاجزاً لا حول له ولا قوة إلا بأعوانه أعداء العدل وأنصار الجور، كما أن تراكم الثروات المفرطة مولّد للاستبداد، ومُضر بأخلاق الأفراد، ولذا كان الاستبداد أصل لكل فساد». أستمع لأحكام الشباب الخالية من معلومة فى التاريخ والسياسة والاقتصاد والمستندة على تغريدات من هنا وتعليقات من هناك ومقتطفات من شاشات فقدت الهوية، فأتساءل عن أى حرية يتكلمون بينما الجهل يستبد بهم؟ وعن أى فساد يتناقشون وقد فسدت رؤيتهم فباتوا لا يسمعون ولا يتبعون إلا من رضى لهم الحديث؟
ارفضوا استبداد الجهل والهوى والمال كما ترفضون استبداد السلطة.
نقلا عن الوطن القاهرية