بقلم - نشوى الحوفى
كنت أجلس فى مكتبى قبل أيام قليلة من بدء رمضان حين فاجأنى أحد معارفى الشباب من العاملين فى بيع الكتب بالدخول علىّ. جلس ثم مد يده لى بعلبة صغيرة من الكارتون المكتوب عليها باللغة الإنجليزية عبارة «To Do In Ramadan» (لتفعله فى رمضان). سألته بدهشة عما بداخل تلك العلبة الصغيرة؟ فأجابنى بابتسامة هادئة أنها هدية لى بمناسبة الشهر الكريم.
فتحت العلبة لأجد بداخلها أجندة مكتوباً عليها نفس عنوان العلبة الخارجية، ومعها دائرة كارتونية مزدوجة الوجهين عرفنى أنها عداد للتسبيح بدلاً من السبح وأصابع اليد والعداد الصينى! ثم كانت دهشتى حينما وجدت «فرخ» من الورق اللاصق، مقسم فى داخله 30 دائرة صغيرة كُتب على كل منها فعل عليك القيام به فى رمضان!! فهذه لأداء الصلاة فى وقتها وتلك لصلة الرحم وهذه للصدقة وأخرى لقراءة القرآن... وهكذا! فسألت مرة أخرى بدهشة: وما هذه الدوائر اللاصقة؟ فأجابنى أنه استيكر أقوم بلصقه فى صفحة من صفحات الأجندة كلما فعلت ما به تماماً كما كانت معلماتنا يفعلن معنا فى الصغر حينما كن يلصقن نجمة أو أى رسمة تقديراً لفعلنا المطلوب فى الدراسة!
وأكمل الشاب قائلاً: «تو دو إن رمضان، ده أكتر حاجة بتبيع النهارده فى سوق الكتب! حضرتك عارفة أنا ممكن ما أبعش فى اليوم ولا كتاب لكن ممكن أبيع من تو دو إن رمضان يومياً ييجى بـ1000 أو 1500 جنيه! أصابتنى الدهشة، فالعاملون فى مجال صناعة ونشر الكتب يعلمون كيف تراجع الإقبال على الكتاب الذى لم يعد هدفاً أساسياً. وأن ما يتحدث عنه صديقى الشاب من مبلغ لهو رقم عالٍ جداً.
فسألته مجدداً عن سعر هذا الـ«تو دو»؟ فقال إن سعره 75 جنيهاً ولما بيزيد الطلب عليه وبيقل بنبيعه بـ85 جنيهاً؟! صُعقت وفتحت بُقّى وأنا غير مصدقة فتكلفته لا تتجاوز 10 جنيهات على الأكثر! فأكمل قائلاً أنها هدية منتشرة بين شباب الطبقة الهاى والروش لبعضهم قبل رمضان!
أمعنت النظر فيما أمامى وتأملته سارحة فيما وصلنا له من قشور التدين التى لا علاقة لها بصميم المعنى والجوهر من عبادات وسلوكيات أمرنا بها الدين. فهذا التو دو إن رمضان ما هو إلا وسيلة تجارية لا تختلف عن جوهر ما يقدمه الدعاة الجدد لروادهم، ولا تختلف عن مظاهر التدين التى يقدمها مشايخ السلفيين لتابعيهم والشىء لزوم الشىء على رأى نجيب الريحانى. فلو أنت من رواد الدعاة فلك التو دو وعداد التسبيح وربطات الحجاب التركية وترقيق الحروف بما يتناسب والوضع الاجتماعى. أما لو كنت من رواد مشايخ السلفية فهناك السواك والنقاب الأسود - ولازم يكون أسود هباب- وهناك السروال الأبيض والقميص اللى تحت الركبة والأهم زبيبة الصلاة السودا المقشفة فى قلب جبهتك والتى لا علاقة لها بالعادة الدينية بقدر ما هى من الأمراض الجلدية!!
أى مسخ صرنا؟ لقد صار التدين مظهراً على كل لون وكل طبقة وكل أيديولوجية. بينما الدين علاقة سرية بين العبد وربه والتدين خلق يعكس ما تؤمن به. وتساءلت: متى ندرك حقيقة الاتجار بعقولنا؟ واستعبادها من قِبَل من ادعوا تعليمنا الدين والإيمان؟ ومتى نفيق من غيبوبة المظاهر الدينية التى لم تمنحنا فقط مسخ العقل ولكن تقسيم المجتمع وكل واحد و«تو دوهه»!!!
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع