بقلم: نشوى الحوفى
المشهور عنا كعرب أننا أمة «اتفقنا على ألا نتفق». نقولها بجدية مُعرِّفين أنفسنا فى المواقف، ونسمعها كدعابة حين نحتاج لضحك يقترب من البكاء. ولكن فى تلك اللحظة الحاسمة من تاريخ ما كان يسمى «وطن عربى»، أفلا نحتاج جميعاً لوقفة مع الذات والضمير والنفس والتاريخ والحاضر لنحمى المستقبل؟ بكل ما تعنيه الكلمة.. نعم نحتاجها وبشدة.
دخل التطبيع بين الإمارات وإسرائيل حيز التوقيع منذ يومين لتكون الدولة الثالثة بعد مصر «1979» والأردن «1994». وذهبت البحرين لذات المناسبة تعلن انضمامها لقافلة السلام التى دعت لها مصر منذ العام 1977 بأرض وحقوق وحدود بأكثر مما هو مطروح اليوم للأشقاء. ولكنهم أبوا وشجبوا ونددوا وقاطعوا، فذهبنا نبحث عن أرضنا واستعدناها كاملة.
وبقية الأرض التى أعلنوا أنهم سيعيدونها بالبيانات، للأسف ذهبت مع الريح وسط حالة من الفوضى يسودها تفتيت أربع دول عربية وهشاشة دول أخرى، ومعدلات فقر وبطالة فى تزايد، وتحديات تهدد الأمن والحدود والإنسان تتفاقم.
ما الفارق؟
الفارق بين نوفمبر 1979 وسبتمبر 2020 ليس عدد السنوات البالغة 41، ولكنه فرق المتاح والقوة. كنا كلمة واحدة فى أكتوبر 1973، رغم خيانة البعض، ومصالح البعض، فكان الانتصار الذى يخالف موازين القوى العسكرية وقتها.. ولكنه الموقف الواحد. كان يمكن لنا أن نخوض معركة السلام بذات قوة معركة الحرب وننتصر فيها لو كنا كلمة واحدة ولكننا لم نكن. أما المتاح فشتان بين حدود 4 يونيو 1967 التى كنا نتفاوض عليها مع إعلان قيام دولة فلسطينية، وبين الاتفاق على عدم ابتلاع إسرائيل لأراضى الضفة الغربية لضمها لها بعد أن ضمت الجولان وأعلنت القدس الموحدة عاصمة الاحتلال.
أعلم أن السياسة فن إدارة الفرص واختيار الأفضل لتحقيق أقصى مساحة من المصالح، كما أعلم أن ما تم من تطبيع أظهر للنور ما ظل مخفياً من علاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية والبقية فى الطريق، كما أعلم أن ما تم توقيعه كان له الأثر فى تخفيف وطأة التحديات على ضفاف كثيرة غير الضفة الغربية، ولكن..
ولكن علينا إدراك أن التطبيع ليس هدفاً عربيا،ً بل وسيلة للتعايش أو لدرء المخاطر أو لوقف تمدد الإرهاب الصهيونى على اختلاف ملامح هذا الإرهاب. علينا التيقن أن مسارات الحياة فى المستقبل ستحددها خطوات العرب اليوم وقراراتهم المصيرية التى اعتادوا فيها على التفرد بالتفريط فى مصالحهم الخاصة قبل مصلحة بعضهم البعض من باب المنفعة القريبة الواهمة للأسف. من هنا كانت الدعوة للتطبيع العربى - العربى، مع التطبيع العربى - الإسرائيلى، فلو ضاع منا المتاح المعروض فى العام 1979، فلم تزل الفرصة سانحة لنتسلح بالاتحاد وتنسيق قوة القرار الجماعى.
فشلنا فى إنجاح جامعة الدول العربية، وفشلنا فى تطبيق سوق عربية مشتركة، وفشلنا فى سك عملة عربية موحدة، وتأسيس جيش عربى موحد، نعم تاريخ طويل من التباعد والفشل فى الوحدة، ولكن ما زال الأمل قائماً رغم ضياع العديد من الفرص وشحها فى حالتنا اليوم.
نحتاج يا سادة لتطبيع عربى - عربى يفتح الأسواق ويوجه الاستثمارات. تطبيع عربى - عربى ينقل الخبرات ويعيد توزيع كتلة البطالة الحرجة فى المجتمعات العربية المتركزة فى نسبة 64% من تعداد السكان وهم من الشباب. تطبيع عربى - عربى يحمى ما تبقى ويأخذ بيد من سقط علّنا ننتشله من هوة التدخلات باسم الخلافة والدين، والصداقة الاستراتيجية، وخيانة البعض فى الداخل. وما يلزمنا هو صدق النيات لا بث البيانات، وسيرزقنا الله بعدها بالقدرة على مواجهة العقبات التى حتماً ستواجهنا. يلزمنا التغلب على الفساد والخيانة وهوى الذات ومصالحها وسنتغلب على شياطين العالم الذين اتبعوا معنا كل الخطط وأعلنوا أن حرب 6 أكتوبر 1973 هى آخر الحروب العسكرية بين العرب وإسرائيل، ولكنهم لم ينفوا التخطيط لحروب أخرى لهدم المؤسسات وتغييب العقول ومحو الوعى والانتماء.
أعلم وجود نيّات صادقة تبحث مثلى عن هذا التطبيع الذى تُقنا له، نقرأ عنه فى التاريخ فنجد أننا عشنا المجد حينما تحقق لسنوات من عمر البشرية، كما عشنا الهوان حينما مارسنا عادتنا فى الاختلاف فضعنا. نعم سعينا للسلام ولكن علينا إدراك غاية الطامع القديمة المتجددة فى الزمان.