بقلم: نشوى الحوفى
سألنى بغضب وهو يتابع أخبار الاتفاق الإماراتى الإسرائيلى للتطبيع منذ أيام: كيف يحدث هذا دون الوصول لتسوية نهائية للقضية الفلسطينية؟ ولماذا الإمارات التى لا تملك حدوداً مع إسرائيل ولا مصالح مباشرة؟ وماذا بعد الإمارات؟
قلت مهدئة: ماذا تعلمت منذ صغرك فى حكاياتى ومن كتب التاريخ؟
أجاب: إسرائيل هى العدو مهما قالوا سلام. وأنهم مغتصبون لفلسطين المحتلة. ولكن ما يحدث اليوم تغيير لمفاهيم وواقع فى ظل أجيال لم تقرأ ولم تع ولم تتعلم. أجيال شبت على تراجع العلم، وتبعية القرار، واستيراد كل شىء حتى سبحة الصلاة. أجيال وعت التفوق حتى فى أفلام السينما.
قلت: أدرك وأفهم خوفك وغضبك ولكن ما هكذا تكون السياسة، وهذا هو الفارق بين مصر حينما اتخذت قرار السلام مع إسرائيل منذ عام 1977 ووقعت اتفاقيتها عام 1979، وبين من حولها من عرب الذين لم يمتلكوا خيال السياسى الذى رأى المستقبل وهو يخطط على أوراق الحاضر. هُزمنا فى يونيو 1967 فذقنا مرارة ضياع الأرض، ولكننا لم ننكسر وفى أيام كانت حرب الاستنزاف وهم من ظنوا بنا الموت. أذقناهم المرارة فى كل عملية من عمليات تلك الحرب، أعلمناهم أن الحرب لم تنته وأن الأرض خيار لا رجعة فيه. مع استمرار محاولاتنا الدبلوماسية لإقناعهم بالسلام ورد الأرض، ولكن غطرسة القوة كانت الأعلى لديهم وظنوا أن خياراتنا لا تتعدى بعضاً من عمليات فدائية هنا أو هناك. من هنا كانت أكتوبر 1973 فأدركوا أننا جسد لا يموت وإن مرض واشتدت عليه الأعراض. ثم انتهت الحرب بقرار وقف إطلاق النار، ودخلنا مرحلة مفاوضات فض الاشتباك، أعدنا افتتاح قناة السويس للملاحة الدولية، ولكن عادت الأمور إلى ما كانت عليه: لا حرب ولا سلام. هنا كان صوت القائد -وضع مائة خط تحت تلك الكلمة- حينما أعلن زيارة إسرائيل وإعلان طلب السلام وضرورة إعادة الأرض وكفانا دماء وحروباً وقتلى ويتامى. ظنت إسرائيل يومها أن طائرة الرئيس السادات ستفتح ويخرج منها كوماندوز يقتلون كل القادة لديهم! ولكنها خطوة وضعت إسرائيل أمام يهود العالم. ليكون التفاوض الصعب بل شديد الصعوبة على مدار عامين. مرحلة اتهمنا فيها الصديق ومن يتظاهر بالصداقة بالخيانة، الجبهة الداخلية كانت منقسمة بعنف، وزير الخارجية المصرى حينها محمد إبراهيم كامل لم يتحمل الفكرة فاستقال. وهذا هو الفارق فى السياسة أن ترى ما سيكون لا ما هو كائن. كان لا بد من تغيير تكتيك الحرب لتكمل انتصارك ولا يضيع منك.
قال: أو تعدين التفاوض على سلام جزءاً من حرب؟ ما هذا التناقض؟
أجبت: نعم فى السياسة كل شىء مطروح لاستعادة الحقوق بدبلوماسية أو بقوة. المهم النتيجة. ما كان يعنيك فى حرب أكتوبر 1973 أن تنتصر، وانتصرت. ما كان يعنيك من تفاوض سلام استعادة أرضك، واستعدتها كاملة لآخر كيلومتر فى طابا. تُقيم السياسة بالنتيجة. نعم قاطعك العرب واغتال الفلسطينيون يوسف السباعى وزير الثقافة فى قبرص ولكنك مضيت فى قرارك، لا عن تشبث ولكن عن رؤية سبقتهم وهذا هو فرق التوقيت بيننا وبينهم. لم يدركوا كيف أضاعوا كل فرصة حتى نفد رصيدهم. ليس فى اختيار السلام وحسب ولكن أيضاً فى خطوة احتلال العراق للكويت التى أيدها الفلسطينيون مع غيرهم وسمحت للأمريكان بالتموقع فى الخليج. ثم ارتضى العرب الجلوس فى مؤتمر مدريد للسلام ليحصلوا على ربع ما عرض عليهم قبلها بنحو 12 سنة. فمن الخاسر هنا؟ الإمارات اليوم تعلن ما كان سراً على مدار سنوات طويلة، فعلاقة العرب بإسرائيل لم تنقطع. ولكنها اليوم تحقق أهدافاً بتعليق التهام المزيد من الأرض الفلسطينية وصفقة القرن، وسحب البساط من تحت أقدام قطر وتركيا من تدعيان أنهما وسطاء حل القضية الفلسطينية وهو افتراء، فلهما فى علاقتهما بإسرائيل وتطبيع تركيا معها مآرب أخرى. وورقة أخرى فى يد تفاوضك أنت فى قضايا إقليمية يمتلكون أوراقها.
قال: لكن إسرائيل فرحة، ترى فى هذا تسليماً؟
أجبته: لا لم نرفع الراية... لكنها السياسة، نجنح للسلم إن جنحوا له، وهم ليسوا من عشاقه، فانتظر واستعد بالوعى والإنتاج والنهضة لما هو قادم لتوقف طغيان تغلغلهم. واعلم أن هويتنا حصن الأمان.