بقلم-نشوى الحوفى
جلس أمامى غاضباً يسألنى بانفعال: لماذا تدفعنى الدولة للفساد؟ لماذا تُصر على أن تكون الرشوة هى وسيلة إنهاء مصالحى وأنا أستثمر بها فى مجال العقارات وأساهم فى تخفيض البطالة؟ لماذا يتأخر إصدار ترخيص بناء كل عمارة أقوم ببنائها عاماً كاملاً أضطر خلاله لدفع رشاوى لموظفى الدولة الكرام قد تصل إلى 100 ألف جنيه فى مجموعها، بينما يمكن لخزينة الدولة أن تستفيد من ذلك المبلغ وتمنحنى الرخصة فى شهر على الأكثر؟!
لم أجد لتساؤلاته المُحقة أى إجابة، فهو وغيره مستعدون لدفع ذات المبالغ لخزينة الدولة بدلاً من دفعها لفاسدين، ولكن قوانين الدولة تسمح بالسير المنحرف. وتساءلت: أين المسئولون فى بلادى من تلك التساؤلات التى لا تخلو من الوجود فى تقارير محلية ودولية تشرف وزارة الاستثمار على التعامل معها، ربما فى مقدمتها تقرير أنشطة الأعمال «Business Doing» الصادر عن مؤسسة التمويل الدولية والبنك الدولى، والذى يُعد مؤشراً هاماً يُعتد به فى تقييم رأس المال الأجنبى لجدوى الاستثمار فى أى بقعة فى العالم.
فمثل هذا التقرير يعتمد على 10 مؤشرات يتم بها وضع ترتيب كل دولة فى أنشطة الأعمال، وتتضمن تأسيس الشركات واستخراج تراخيص البناء والحصول على الكهرباء وتسجيل الملكية والحصول على الائتمان وسداد الضرائب والتجارة عبر الحدود وإنفاذ العقود وتسوية حالات الإعسار وحماية حقوق صغار المساهمين، وذلك من حيث التكلفة وتوقيت إنهاء المهام ونزاهة القوانين وفاعلية تنفيذها والشفافية ومراقبة الجودة وغيرها. ووفقاً للنسخة الأخيرة، الصادرة فى نهاية العام 2017، احتلت مصر المرتبة 128 من بين 190 دولة، لتندهش حينما تتابع ترتيب مصر فى هذا التقرير منذ العام 2007 حين احتلت المرتبة 165 من بين 175 دولة، لتحرز تقدماً فى عام 2010، ويكون ترتيبها 106 من بين 183 دولة. ثم يبدأ التراجع بحلول العام 2011 وما تلاه، فتحتل عام 2013 المرتبة 127 من بين 185 دولة، لكنها تعود وتحرز تقدماً عامَى 2014 و2015 حين جاء ترتيبها رقم 112. ولكن تنتكس حالة التقدم تلك -المتعلقة بسرعة وتكلفة وشفافية الأنشطة الاقتصادية فى القطاع الخاص فى مصر- فى العام 2016، ويكون ترتيبها 131، وأخيراً رقم 128. بينما يأتى ترتيبها عربياً رقم 11 وأفريقياً رقم 17!!!
لم يعد فى الإمكان تجميل الواقع بتصريحات واهية ولقطات لا تعبر عن خطوات حقيقية على الأرض. الجميع يعلم بالأرقام ما يعانيه الاستثمار فى القطاع الخاص من فساد وبيروقراطية -وفقاً للشروط العشرة التى حددتها مؤسسة التمويل الدولية والبنك الدولى- لإنهاء ما يتعلق بأنشطته، يكفى ألماً أن تسبقنا دولة كالبحرين وقطر عربياً، وتسبقنا دولة كليسوتو وملاوى أفريقياً، لندرك كم تأخرنا وما نحتاج له بضمير فى الفترة المقبلة. ومن هنا يتكرر الطرح بإلغاء وزارة الاستثمار والاكتفاء بالهيئة العامة للاستثمار لتعمل مباشرة تحت مظلة المجلس الأعلى للاستثمار لتحسين مناخ عمل القطاع الخاص الذى يتخوف من فساد وبيروقراطية وفشل إدارى. نعم نحتاج لتحسين صورة مصر دولياً فى هذا المجال، وهو ليس بالأمر المستجد، فقد فعله الرئيس الروسى بوتين فى العام 2012 حين جعل تحسين الشروط العشرة من بين أهم أولوياته، فحسّن مركز روسيا ونقلها من المركز 51 إلى المركز 35 فى العام 2017، وكذلك المغرب التى باتت تحتل المركز 69 عالمياً.. فهل من مستمع؟
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع