بقلم: نشوى الحوفى
فى ساعات متتالية شهد يوم الجمعة مفاجآت فى الملف الليبى والموقف التركى. فبعد زيارات مكوكية لعدد من البلدان قام بها رئيس مجلس النواب الليبى عقيلة صالح وكان من بينها مصر، التى التقى فيها إلى الجانب المصرى، السفير الأمريكى بالقاهرة، وبعد لقاءات تمت بين السفير الأمريكى فى ليبيا وحكومة الوفاق، جاء إعلان قرار وقف إطلاق النار واستئناف الحراك السياسى بين طرفى الصراع فى ليبيا. الإعلان لم يكن من طرف واحد بل كان من الطرفين كل على حدة.
بيان عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبى كان الأكثر وضوحاً فى معالمه، من حيث وقف إطلاق النار فى جميع أنحاء ليبيا، وقطع الطريق أمام أى تدخل أجنبى ووقف تدفق المرتزقة، واستئناف إنتاج النفط الليبى وإيداع إيراداته فى حساب خارجى للمصرف الليبى، وإعلان سرت منطقة منزوعة السلاح واختيارها مقراً للمجلس الرئاسى الليبى المؤقت لحين إجراء انتخابات.
الواقع يقول إن بيان القاهرة المعلن منذ عدة أسابيع، ثم التحذير المصرى من أن تخطى قوات السراج المدعومة من تركيا خط سرت الجفرة يعتبر إضراراً بالأمن القومى المصرى وإيذاناً ببدء عمليات عسكرية لصد أى عدوان، كانت عوامل دفعت بالولايات المتحدة إلى التدخل لفرض رؤيتها فى ليبيا على كافة الأطراف. فاندلاع مواجهة عسكرية فى ليبيا اليوم بين تركيا وكيلة واشنطن فى تنفيذ الفوضى، ومصر إحدى أهم الدول المؤثرة استراتيجياً فى المنطقة، ليس فى صالح أمريكا اليوم وهى على أعتاب انتخابات رئاسة يوم 3 نوفمبر المقبل. أضف إلى ذلك ورقة إعلان الإمارات قبولها السلام مع إسرائيل وهى ورقة ذات ثمن غالٍ.
على الجانب الآخر، فعلى الرغم من الأجواء المرحبة دولياً وإقليمياً بإعلان الطرفين وقف إطلاق النار، فإن المشهد ليس بتلك البساطة التى يبدو عليها. فالجيش الليبى التزم الصمت على بيان عقيلة صالح. بينما اختلفت آراء الميليشيات المسلحة وأعضاء حكومة السراج حول القرار.
فالناطق باسم قوات الوفاق محمد قنونو صرح لموقع «إندبندنت عربية» «أنهم كقوة عسكرية تابعة لحكومة الوفاق، لم يحسموا أمرهم بعد من هذا الإعلان، وأنهم غير ملزمين بقرار وقف إطلاق النار!»، كما نشرت الإندبندنت تصريحات لسامى الأطرش المستشار السياسى السابق للسراج دعا فيها إلى استقالة الرئيس السراج إذا كان غير قادر على قيادة المعركة حتى النهاية للسيطرة على كل ليبيا! وهو ما يطرح تساؤلات لا تتعلق بكيفية اتخاذ القرار ومدى استدامته بين كافة الأطراف الليبية، ولكن هناك تساؤلات أخرى عن مصير 17 ألف مسلح ومرتزق ألقت بهم تركيا فى ليبيا مقابل رواتب شهرية 2000 دولار لكل مسلح؟ هل ستتم إعادتهم لسوريا أم يتم توطينهم فى ليبيا ودول أفريقية أخرى؟
أما الإعلان التركى المواكب لتلك التطورات فلم يكن له علاقة بالصراع فى ليبيا على الإطلاق، بل بالكشف التركى للغاز فى البحر الأسود!! نعم فتركيا التى هددت بالتنقيب فى المتوسط ووصلت إلى حافة الصراع العسكرى مع اليونان ومصر فى الأسابيع الماضية، اتجهت سفن تنقيبها للأسود لا للأبيض!؟ وتركيا التى هددت بالتقدم إلى سرت والجفرة لم تصدر أى تعليق على قرار وقف إطلاق النار فى ليبيا!
لا يمكن اعتبار الصمت التركى انسحاباً، ولكن يمكن اعتباره تغييراً فى شكل المواجهة. أنقرة أعلنت بدء الشركات التركية فى العمل فى مجالات الطاقة والبنية التحتية فى طرابلس، أنقرة اشترت المال. أنقرة توجد بقوة فى دول جنوب الصحراء الأفريقية مثل مالى التى لم يعد خافياً الدور التركى فى أحداثها الأخيرة. أما الكشف التركى فى البحر الأسود فتوقيته يوضح الهدف منه. فعن أى غاز يتحدث أردوغان فى البحر الأسود وقد سبق لشركات عالمية إعلان خلوها من أى كميات غاز تستحق استثمار التنقيب؟ ثم إن الكشف جاء من خلال تصريحات لأردوغان لا عبر شركات ذات ثقل فى مجال التنقيب. ثم كيف لأردوغان تحديد كمية الغاز بالبئر بقيمة 320 مليار متر مكعب وسفنه لم تستغرق سوى شهرين فى عملية التنقيب؟!
ولكل ما تقدم يمكن القول لا ليبيا حسمت أمرها بالسلام، ولا تركيا رزقت بكشف غاز يلتقطها من تراجع اقتصادها. لذا.. ماذا بعد؟ سؤال متروكة إجابته للأيام.