بقلم: نشوى الحوفى
حينما تبحث عن تكساس الولاية الأمريكية الواقعة فى الجنوب الأمريكى، تجد أنها ثانى أكبر الولايات الأمريكية من حيث المساحة والسكان البالغ عددهم نحو 29 مليون نسمة. ولاية تزرع مساحات شاسعة منها، ما عدا 10% فقط عبارة عن صحراء. تكساس الملقبة بعاصمة الطاقة لغناها بالبترول، حيث تعد أكبر منتج له فى أمريكا. تكساس الغنية بالصناعات المختلفة فى الزراعة والبتروكيماويات والطاقة والتكنولوجيا، تكساس التى تدعم الاستثمار فى مجال التعليم، خاصة الجامعات التى يتجاوز عددها 30 جامعة.
تلك هى تكساس الأمريكية.
ولكن الأخبار عن تكساس هذه الأيام فى وسائل الإعلام لا تتحدث عن حضارة تكساس أو الجامعات فى تكساس أو ثراء تكساس، ولكنها تتناول كارثة تكساس التى ضربتها عاصفة ثلجية مؤخراً وتسببت فى محاصرة ملايين السكان فى بيوتهم ليواجه ملايين البشر انقطاع الكهرباء، كما عانى ما يقرب من نصف سكان تكساس من انقطاع المياه. وسجلت الوفيات بها 20 حالة وفاة بسبب العاصفة والثلوج التى اجتاحت الولاية مؤخراً. فى تكساس الأمريكية حوصر السكان بدون كهرباء وبدون تدفئة فى البيوت. وفقاً لحاكم مدينة تكساس فإن الخسائر لا يمكن تقديرها بعد، ولكن الواقع تعكسه كلمات الرئيس الأمريكى المنتخب حديثاً جو بايدن الذى قال إن الولاية تتعرّض لكارثة إنسانية تستدعى نقل المساعدات من الحكومة المركزية لها. وبخاصة مع إعلان تضرّر أكثر من 1300 منظومة مياه فى الولاية.
تشارك تكساس تلك المأساة عدداً من الولايات فى جنوب الولايات المتحدة تعرضت أيضاً هى الأخرى لعواصف ثلجية وجليدية تسبّبت فى انقطاع المياه. فى الوقت نفسه الذى نقلت فيه قناة «سكاى نيوز» منذ أيام عن المتحدثة باسم البيت الأبيض الأمريكى تصريحاً قالت فيه إن التحقيقات بيّنت أن نقص الغاز والفحم هو السبب وراء أزمة الكهرباء فى تكساس!
ما يحدث فى الولايات المتحدة ليس بالجديد على المتابع لوضع بنيتها التحتية وفقاً للتقارير الدولية، فأمريكا البلد الذى يحتل المرتبة الأولى فى الاقتصاد العالمى تعانى من تآكل بنيتها التحتية بشكل رهيب منذ سنوات. ففى عام 2016 أجرت الجمعية الأمريكية للمهندسين المدنيين دراسة أكدت فيها أن عدم مواجهة مشكلات البنية التحتية فى الولايات المتحدة سيؤدى إلى خسارة قدّرتها الدراسة بنحو 4 تريليونات دولار خلال الفترة من 2016 - 2025. يومها رصد التقرير الذى تناقلته وكالات الأنباء أوجه قصور فى الطرق والكبارى والمطارات والممرات المائية وخدمات الكهرباء والمياه. يومها أكدت الدراسة أن تلك الأزمة لن تتسبّب فقط فى الخسارة الاقتصادية، بل فى فقدان نحو 2.5 مليون مواطن أمريكى لوظائفهم، بالإضافة إلى تأثر إنتاجية قطاع الأعمال وإجمالى الناتج المحلى والدخل الشخصى، والقدرة التنافسية العالمية.
إذاً الوضع فى تكساس نتيجة العاصفة الثلجية المريعة التى وصلت معها درجات الحرارة إلى 20 - 30 درجة تحت الصفر، ليس بالجديد أو المفاجئ، ولكنها نتيجة حتمية لتراجع صيانة المرافق والاستثمار فى البنية التحتية كما يحدث فى جميع دول العالم، حينما تغيب خطط التنمية المستدامة لكل دولة.
من هنا يفرض السؤال البديهى نفسه: إذا كانت الولايات المتحدة هى الاقتصاد الأول على العالم، والمهيمنة على إدارة العالم كما تدّعى، وصاحبة القيم والحقوق الأمريكية التى تفخر بتقديمها للمواطن الأمريكى والمن بها على بقية الدول إلى حد السعى لفرضها بالقوة، البلد الذى ينفق على ميزانية قواته المسلحة 650 مليار دولار سنوياً، إذا كانت أمريكا هى كل هذا، فكيف لا تفكر فى حقوق المواطن البسيطة فى الحياة وقت الكوارث؟ كيف لا تدعم فكر التنمية المستدامة باستثمار فى بنى تحتية للاستعداد لكل ما هو آت؟ كيف تعجز ولاية يسمونها بعاصمة الطاقة فى توفير الغاز والفحم لمحطات الكهرباء لتوليد ما يكفى من تدفئة البشر هناك، ليستطيعوا مواجهة تلك الموجة المميتة؟ كيف تنضب أرفف محلات البقالة من البضائع، فيعود الناس إلى بيوتهم الخالية من الكهرباء والتدفئة والمياه، بلا غذاء؟
حديثى يضع التساؤلات أمام إدراكنا، لنتوقف عن النظر إلى أمريكا على أنها أرض الأحلام وربما نكف عن جَلد الذات دوماً وننظر لأنفسنا بما يليق.. إذ أتساءل ماذا يمكن أن يحدث لو أن ما حدث فى تكساس كان فى القاهرة؟