بقلم: نشوى الحوفى
فى كلمته التى ألقاها عبر الفيديو كونفرانس أمام قادة مجموعة البريكس يوم الثلاثاء 17 نوفمبر الجارى، حذر الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين من المخاطر المستمرة فى الشرق الأوسط، وركز فى كلمته على الوضع فى العراق بشكل خاص. وأضاف «بوتين»، حسب وكالات الأنباء العالمية، تفاقم المخاطر فى العراق ولبنان وأفغانستان ومنطقة الخليج.
تحذير «بوتين» ليس بالمفاجأة، فالمنطقة على صفيح ساخن بكل ما تعنيه الكلمة ومنذ سنوات تعددت فيها الأحداث والنكبات على عالمنا العربى حتى بعد ربيعه المُعد له منذ عقود. يكفينا تذكر تقرير البنك الدولى الصادر فى يناير 2019 عن حجم خسائر المنطقة العربية من جراء ما مر بها من ثورات وتغيرات من 2010 وحتى اليوم قُدرت بنحو 900 مليار دولار كحد أدنى!
ولكن ما يعنينى اليوم هو العراق الذى يعانى منذ عام 2003 ويلات التطرف والتفكك والطائفية ونهب ثرواته بما فيها المياه من قبل تركيا والفساد والنزوح والهجرة لمواطنيه نتيجة ويلات كل ذلك. فمن كان يصدق أن العراق إحدى أهم الدول المنتجة للبترول والذى كان قبلة العمالة فى العالم العربى -حتى فى ظل الحصار الغربى الذى فرض عليه بعد أزمة غزو الكويت وحتى غزوه من قبل التحالف الغربى بقيادة واشنطن عام 2003- بات اليوم على شفا الهاوية الاقتصادية؟
فتمثل عجز الموازنة فيه نسبة 35% بما يعادل 57 مليار دولار فى العام 2020، بينما بلغت ديونه 132 مليار دولار، وبسبب الظروف السياسية واندلاع المظاهرات فيه على مدار العام الماضى، تراجع الاستثمار الخارجى فيه، بالإضافة إلى توقف مشروعات الاستثمار فى قطاعات الإسكان والبنية التحتية والأعمار والخدمات وهو ما أدى لزيادة البطالة ونسب الفقر وارتفعت معه معاناة العراقيين كما تشير التقارير الدولية عنه. إلى الحد الذى تشكل فيه تحالف دولى لدعم العراق اقتصادياً ومنحه مساعدات ودفعه إلى مزيد من القروض غير مضمونة السداد بسبب ما سبق ذكره من عوامل وبخاصة الفساد والولاءات السياسية الخارجية لطوائفه المتعددة.
أذكر أنه فى شهر يونيو الماضى نشرت الفاينانشيال تايمز البريطانية تقريراً حمل تصريحات لوزير المالية العراقى على علاوى قال فيه إن ارتفاع إيرادات النفط سمحت بمزيد من الفساد فى العراق إلى حد صرف رواتب لعدد 300 ألف موظف غير موجودين بالهيكل الحكومى، إلا أن تراجع عائدات البترول فى العراق -بعد انهيار أسعاره عالمياً- من 6.1 مليار دولار فى يناير 2020، إلى 1.4 مليار دولار فى أبريل 2020 ألزم العراق بمراجعة مصادر إنفاقه ووقف نزيف الفساد. ورغم ذلك تسعى حكومته فى محاولة لاقتراض 18 مليار دولار من الداخل والخارج لتغطية الأجور الحكومية فى الأشهر القليلة المقبلة! هذا هو حال العراق يا سادة اليوم بعد مرور 17 عاماً على احتلاله وانهياره تحت مسميات تحريره من الديكتاتور صدام حسين ونشر الديمقراطية به للأسف. وأضف إلى كل ما سبق احتلال تركيا إلى أجزاء من شمال العراق ودعمها للتطرف والإرهاب فيه عبر تسهيل مرور المنتمين لداعش عبر حدودها كما تذكر التقارير الدولية، ونهبها لمياه نهريه دجلة والفرات.
نعم، سعت مصر لحماية العراق من الانهيار الاقتصادى وعدم تركه يواجه مصيره البائس بين خيانة طوائفه وطمع جيرانه فيه، بإعلانها عن مشروع الشام الكبير بين مصر والعراق والأردن فى شهر أغسطس الماضى، والذى أعلنت فيه مصر دعمها لإعادة إعمار العراق والاستثمار فى بنيته التحتية وإنشاء مناطق صناعية به ومد جسور التجارة معه عبر الأردن فى محاولة لتحقيق تنمية متبادلة، وهو ما برر زيارة رئيس الوزراء المصرى الدكتور مصطفى مدبولى إلى العراق مؤخراً ضمن وفد من رجال الأعمال والمسئولين فى الحكومة المصرية لتوقيع بروتوكولات التعاون وبدء التنفيذ فيما تم الاتفاق عليه فى اجتماع قمة الدول الثلاث فى أغسطس الماضى. ولكن هل يستطيع ذلك إنقاذ العراق من معاناته الاقتصادية والسياسية؟ هل يمكنه ذلك من تجاوز أزمته؟
لا أعتقد إن لم تتوافر الإرادة لدى شعبه، حكومة ومواطنين، ليقفوا لحظة مع ضمائرهم -لا مع ولاءاتهم الخارجية وطائفيتهم المقيتة- ليدركوا أن مصيرهم ومصير بلادهم معلق أمام التاريخ وأمام أجيال مقبلة فى رقابهم.