بقلم: نشوى الحوفى
«وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّى لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً»، صدق الله العظيم.
هكذا كانت تعاليم الله لخاتم أنبيائه فى سورة الكهف ليعَلمها ويُعلمها للمسلمين من عباد الله، فتكون كل أفعالنا المستقبلية فى مشيئة الله ومعيته وحفظه وبإرادته. ولكن هل حافظنا على ذلك المفهوم، كما شاء الله الخالق؟ أم ضيعنا ما كان علينا حفظه وحمايته من الانتهاك على يد جاهل أو متطرف الفكر أو إرهابى؟
لماذا أكتب ما أكتب؟ لأننى شاهدت مؤخراً مناظرة «بايدن» و«ترامب» الأولى والتى حوت الكثير من الاتهامات والهجوم والسباب المتبادل بين الاثنين ووُصفت بأنها الأسوأ على مدار تاريخ المناظرات الانتخابية فى الولايات المتحدة. وفى جزء منها كان سؤال مدير المناظرة لترامب عن قضية تهربه من دفع الضرائب، فكانت إجابة «ترامب» بأنه سدد بالفعل ملايين الدولارات. فعاد مدير المناظرة لتأكيد سؤاله فأجابه «ترامب»: «نعم ملايين الدولارات وستتسنى لكم فرصة رؤيتها». هنا كانت مقاطعة جو بايدن لترامب: «متى.. إن شاء الله؟».
توقفت كثيراً عند تعبير «بايدن» وأسلوب رده وبخاصة أنها لم تكن المرة الأولى التى يستخدم فيها مصطلحاً إسلامياً فى معبر حديثه، فقد خاطب جموع الأمريكيين المنتمين للعقيدة الإسلامية طالباً منهم دعمه مستخدماً جزءاً من الحديث النبوى الشريف «من رأى منكم منكراً فليغيره»!؟
وبعيداً عن تهليل البعض بورود تلك المصطلحات على لسان «بايدن» كرئيس منتخب للولايات المتحدة، وهى عادة ليست بالجديدة على رؤساء أمريكا منذ سنين بعيدة لتحقيق المصالح، إذ فعلها جيمى كارتر لإظهار دعمه لمقاتلى الأفغان الذين أطلقت عليهم أمريكا وصف «مجاهدين» فى حربهم ضد السوفييت 1979 هو ومستشاره الصهيونى بيرزينسكى، فمولوا الإرهاب لهدم الاتحاد السوفيتى، وفعلها أوباما بجامعة القاهرة مقدماً لنا نفسه بالسلام عليكم، فسرق السلام من عروبتنا وأهداها الفوضى. توقفت أمام تحليلات بعض وسائل الإعلام الأمريكية أمام استخدام «بايدن» لجملة «إن شاء الله» مبررة ذلك بأنها جملة يستخدمها المسلمون حينما يريدون تسويف فعل شىء أو الكذب فيما يتعلق بأمر ما؟!!
أصدقكم القول إنه أصابنى الحزن للتفسير الخاطئ للمعنى ثم بقليل من التفكير بهدوء وجدت أننا من قدم هذا التفسير المُتجنى للعالم عن معنى مشيئة الله وتقديمها على ما نود فعله فى المستقبل. لقد رأوا سلوكنا ودرسوا مصطلحاتنا وطريقة تعاملنا معها ووجدوا أننا كمسلمين لا نحترم تلك المقولة التى هى أمر إلهى لرسوله وعباده. نستعملها دون يقين بالمعنى الذى سعى لتقديم مشيئة الله على أفعالنا. يكذب الكثير منا ويتحايل على المتعاملين معهم ونحن المأمورون بالصدق، المنهيون عن الكذب الذى هو آفة من أشد الآفات فتكاً بمصداقية الإنسان، بينما هم يتعلمون بلا عقيدة -بعد تراجع دور العقيدة فى الحياة الغربية إلى حد كبير- ومن خلال تربيتهم وخلقهم كارثية الكذب والامتناع عنه، ليتعرض رئيس لهم هو بيل كلينتون لحافة العزل لكذبه حول علاقته بمونيكا لوينسكى!
نعم، حزنت لحالنا وما آل إليه الإسلام على يدنا لأدرك أن الأزمة التى نعيشها أكبر من اتهام بتطرف أو إرهاب يتمسح فى عقيدة الله السمحة المحفزة للإنسان كى يكون على خلق فى كل تعاليمها، حتى إن نبى الله وخاتم رسله صلوات ربى عليه قالها، إن خير المسلمين فى الجاهلية خيرهم فى الإسلام، أى أن شرط حسن التدين هو حسن الخلق وليس العكس.
نعم يا سادة، لسنا بحاجة للحديث معهم عن عقيدتنا وسماحتها ورقيها، بل فى حاجة لأن يروا ذلك فى سلوكنا وتعاملاتنا مع العالم. غضبنا وبيانات رفضنا وشجبنا لتطرف وصفهم للإسلام بالإرهاب رغم احتضانهم لمن حسبوهم علينا، ليس كافياً للدفاع عن عقيدة الله التى هى أمانة معلقة فى سلوك كل منا سنحاسب عليها. أزمتنا أكبر من دفع التهمة وإبعادها عنا، أزمتنا فى خلق وتربية وسلوك وتعامل قادر على مواجهة الإرهاب إن دعمناهم بحسن تنشئة وتثقيف وإعلام وتعليم، ويسند كل هؤلاء تجديد لفكر وخطاب يحيى الماضى لا الحاضر فما بالكم بمستقبل يتخوف منه العالم على هوية البشر وعقيدتهم؟ نحتاج وقفة لذواتنا لإنقاذ مشيئة الله.