بقلم : نشوى الحوفي
أنا من الجيل الذى يمثل له «كورونا» أحد أنواع الشيكولاتة المصرية الجميلة، لكن دوام الحال من المحال، فكورونا الآن هو فيروس قاتل، والفيروسات كائنات عجيبة وغريبة، ودراستها تدعو أى باحث للتأمل فى خلق الله، سبحانه وتعالى، فالفيروس عبارة عن شريط غير حى يتكون من مادة وراثية خام موجودة داخل غلاف بروتينى، وهو لا يعتبر كائناً حياً لأنه غير قادر على الحياة بنفسه، بل عليه البحث عن خلية لتقوم بعمل العائل، التى يقوم هو باستنزافها لكى ينسخ نفسه أكبر عدد من المرات، وبعدها يترك بقايا تلك الخلية ليبحث عن غيرها، ويخرج منها فى عملية تسمى «الانسلال»، وعادة ما يقرر بعدها أن يدخل فى مرحلة ثانية تسمى «الكُمون»، وفيها يختار الفيروس أن يفعل «لا شىء»، فلا يبحث عن خلية أخرى، خوفاً من الجهاز المناعى للجسم الجديد، ويبقى الفيروس غير نشط لأى فترة من الزمن، ولو ملايين السنين، حتى ينشط بفعل عامل خارجى مثل: الضوء.
عندما أخرج المخرج العبقرى «ستيفين سبيلبيرج» فيلمه الشيق «الحرب الكونية»، وجد الخلاص للكرة الأرضية من الغزو الفضائى فى أصغر الكائنات التى تعيش بيننا، «الفيروسات»، حيث ضربت سفن الفضاء وأصابتها بأمراض مختلفة قضت عليها تماماً، وتم إنقاذ الأرض من الدمار والجنس البشرى من الإبادة.
بعيداً عن الخيال العلمى، فإن الواقع العملى أيضاً يؤكد أن تلك الكائنات الصغيرة قادرة على تغيير مجرى التاريخ؛ ففى أوائل القرن الرابع قبل الميلاد، وفى عهد الطاغية «ديونيسيوس الأول»، حين حاصرت قوات «قرطاجة» مدينة «سيراكوز» بجزيرة صقلية الإيطالية، تفشى الوباء فى القوات الغازية وانتهت الحرب قبل أن تبدأ!
أما سلسلة الحروب الصليبية، فحدث ولا حرج، فثلثا جيش حملة عام 1096 قضى نحبه بفعل الأسقربوط، وحدث الشىء نفسه فى حملة تالية بفاصل زمنى مائة عام (رغم أنه ليس مرضاً معدياً أصلاً)، وبين الحملتين كان «التيفويد» ينخر فى عظام الجيش الرومانى ويقتل الآلاف ويجبر القادة على حرق المعسكرات.
«نابليون بونابرت»، لم تخل قصته من الفيروسات، فإصابته بالدوسنتاريا كانت أحد أسباب خسارته لمعركة «ووترلو» أمام القائد الإنجليزى «ويلنجتون»، وهو الحدث الذى غير مجرى التاريخ الأوروبى، والأمثلة المشابهة كثيرة.
وهناك أيضاً الثلاثى غير المرح (الطاعون، والجدرى والملاريا)، الأول قتل 100 مليون فى القرن الرابع عشر، والثانى قتل 300 مليون فى القرن العشرين، والثالث يقتل حوالى من مليون إلى ثلاثة سنوياً، ونذكر أيضاً الإنفلونزا الإسبانية التى ضربت العالم عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى وقتلت 50 مليون شخص وأصابت عشرة أضعاف هذا الرقم، ولم ينج من بطشها إلا كبار السن ممن اكتسبوا مناعة طبيعية بتعرضهم للإنفلونزا الروسية ونجاتهم منها عام 1889!
الوافد الجديد، فيروس «كورونا»، ليس جديداً فى الواقع، فهو «الإصدار» السادس من فصيلة الفيروسات التاجية، وعُرف بعدد من الأسماء مثل: «شبيه سارس» أو «سارس السعودى»، واسمه الرسمى هو: «فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الجهاز التنفسى الشرق أوسطى».. وفى عام 2012 تمكن الطبيب المصرى، المتخصص فى علم الفيروسات، «محمد على زكريا»، من عزل الفيروس من جثة رجل توفى بفعل المرض.
عملية انتقال الفيروسات بين الدول لا تختلف كثيراً عن عملية انتقال المعلومات، موضوع سهل وبسيط وحتمى ولا يمكن منعه تماماً، لكن يمكن احتواؤه بدرجة ما والسيطرة عليه بتكاتف مجتمعى من كل الأطراف دون استثناء.. حفظ الله كل بلاد العالم.
a