بقلم : نشوى الحوفي
تابعت للنهاية مؤتمر الأزهر الأخير لتجديد الفكر الإسلامى وأبهرنى البيان الصادر عنه، لأدرك كيف ضرب شيخ الأزهر كرسى فى كلوب المؤتمر، الذى دعا له، فكان من أضاع قيمته والهدف منه قبل غيره برده على رئيس جامعة القاهرة. فلم ينتبه أحد لمضمون البيان الهام الذى وجب التجديد به.
أبهرنى البيان لسببين، أولهما: أنه حوى من التوصيات ما يناقض حديث شيخ الأزهر مع رئيس جامعة القاهرة، فإذا كان شيخ الأزهر قد أعلن أن الأزمة ليست فى تجديد الخطاب الدينى وأنه علينا البحث عن أسباب غير التراث لنعلق عليها فشلنا، بما يوحى لمتشددى الفكر تمسك الأزهر بما ألفوا عليه آباءهم، فإن أول وثانى ورابع توصية لبيان الأزهر جاء بها نصاً: «التجديد لازمٌ من لوازم الشريعة الإسلاميّة، لا ينفكُّ عنها؛ لمواكبة مستجدات العصور وتحقيق مصالح الناس. وأن النصوص القطعية فى ثبوتها ودلالتها لا تجديدَ فيها بحالٍ من الأحوال، أمَّا النصوص الظنيَّةُ الدِّلالة فهى محل الاجتهاد، وتتغير الفتوى فيها بتغير الزمان والمكان وأعراف الناس». وقال: «إن التيارات المتطرفة، وجماعات العنف الإرهابية يشتركون جميعاً فى رفض التجديد، ودعوتهم تقوم على تدليس المفاهيم وتزييف المصطلحات الشرعية»..
ثانيهما: أن البيان حمل عدداً من التوصيات التى بلغت 29 توصية يمكن اعتبارها أحكاماً وجب التركيز عليها كأساس لتجديد الخطاب الدينى، مثل الرأى فى الحاكمية، والهجرة، والجهاد، والقتال لدى جماعات التكفير والتطرف، والفصل فيها وإعلان أن ما يروجون له لا علاقة له بالدين بل شوه صورة الإسلام وشريعته على حد وصف البيان. ومنها على سبيل المثال تعريف الجهاد، حيث جاء فى البيان نصاً: «أن الجهاد فى الإسلام -ليس مرادفاً للقتال، وإنَّما القتال الذى مارسه صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو نوعٌ من أنواعه، وهو لدفع عدوان المعتدين على المسلمين، وليس لقتل المخالفين فى الدين، كما يزعم المتطرفون، والحكم الشرعى الثابت فى الإسلام هو حُرمة التعرُّض للمخالفين فى الدين، وحرمة قتالهم ما لم يُقاتلوا المسلمين. وأن ما تنادى به جماعات التطرف من وجوب هجرة الأوطان لا أصلَ له، والأصلُ عكسُه، لقول النبى صلى الله عليه وسلم (لا هجرة بعد الفتح)».
نعم.. حمل البيان ما نحتاج للبناء عليه وتاه فى كلمة شيخ الأزهر الشعبوية تعليقاً على كلمة رئيس جامعة القاهرة. حمل البيان ما كنا نتحدث عنه وغطت عليه أصوات تصفيق المؤيدين لمولانا فى منازلته للخشت، الذى قال له إنه ضيف لديه لينتبه مولانا فى النهاية ويُسكت أنصاره.
ضاع بيان الأزهر رغم أنه حمل بنداً هو بيت القصيد حين أعلنها صراحةً ونصاً: «أن الدولة فى الإسلام هى: الدولة الوطنية الديمقراطية الدستورية الحديثة. والأزهر -ممثلاً فى علماء المسلمين اليوم- يقرِّر أن الإسلام لا يعرف ما يسمى بالدولةِ الدينية، حيث لا دليل عليها فى تراثنا». نعم أعلن الأزهر أن لا دولة دينية أى إن ما جبلوا على تلقينه لنا تحت مسمى الدولة الإسلامية لا أصل له فى ثوابت الدين، وإلا سألنا أى إسلام كان أصح فى مجموع ما شهده التاريخ من ممالك ودول؟ دولة الخلفاء التى لم ينجُ من القتل فيها سوى الصديق؟ أم دولة الأمويين التى ارتضت قتل الصحابة وبعض من آل البيت؟ أم العباسيون الذين قضوا على الأمويين ببحور من دم؟
أعلنها الأزهر: «المواطنة الكاملة حق أصيل لجميع مواطنى الدولة الواحدة، فلا فرقَ بينهم على أساس الدِّين أو المذهب أو العرق أو اللون».
ولذا فحديثى للجميع -إعلام ونخب وخطب أئمة أوقاف- اقرأوا بيان الأزهر وانشروه وواجهوا به إرهاب العقول والعمم وتجار الدين. اجعلوه بداية لما يجب البناء عليه ولا تسمحوا «للمهللين والمصفقين» أن يسيئوا تفسيره.