بقلم: نشوى الحوفى
فى مارس 2014، أثناء حضورى للقاء صحفى مع مسئولى حلف الناتو فى بروكسل بمناسبة مرور 20 عاماً على العلاقات المصرية مع الحلف العسكرى الغربى، وفى مناقشة لم تكن هيّنة مع أحد مسئولى الحلف عن الإرهاب ومعناه، قال لى إننا يمكننا طلب العون فى مكافحة الإرهاب من مكتبهم فى تركيا! فسألته متعجبة: كيف بالله عليك تطلب منا أن نذهب لطلب العون ممن يمولون الإرهاب على أرضنا ويحتضنون متهمين بالإرهاب على أرضهم؟ وبالطبع لم يجب.
نفس الشىء يتكرر مع الأمم المتحدة التى، وكما ذكرت فى مقالى الأسبوع الماضى، قد افتتحت مكتبها لمكافحة الإرهاب فى قطر ورعت تأسيس مركز قطرى لمكافحة الإرهاب يشرف عليه الإخوان المسلمون مقابل تبرعات قطرية!! وهى تعلم أن قطر متهمة بالإرهاب بل وتؤوى على أرضها الحرس الثورى الإيرانى رغم كونه منظمة مدرجة على قوائم الإرهاب الدولى، وكذلك مكتب لحركة طالبان أحد أسباب الغزو الأمريكى البريطانى لأفغانستان فى العام 2001!!
الغريب أن الأمر لا يقتصر فقط على هاتين المنظمتين، ولكنه يمتد إلى أشخاص لم يعد خافياً على العالم انتماؤهم للإرهاب وتبنيهم له. وهنا أعود بكم إلى تحقيق نشره موقع «العربية» فى فبراير 2020 تضمّن أسماء جاء ذكرها فى مدونة أسامة بن لادن المعروفة باسم «وثائق أبوت آباد» حين اختار قطر لتكون نواة لتجمع الحركات الإرهابية والمتطرفة تمهيداً لتنفيذ مخططهم الساعين له. ومن هؤلاء كان اسم محمد حامد الأحمرى وهو إخوانى يتولى أنشطة إعلامية فى قطر، وحامد العلى وهو ناشط كويتى معروف بمناصرته للقاعدة وأردوغان، وعبدالله النفيسى وهو أكاديمى كويتى يُنظر لجماعات الإسلام السياسى، وثلاثتهم يقيمون فى قطر التى اختارتها الأمم المتحدة كمقر لمكتب مكافحة الإرهاب الذى افتتحته بها!!
ليس هذا فحسب، بل إنه ووفقاً للتقرير، فإن العدّاء القطرى مبارك العجى والمصنَّف على قائمة الإرهاب القطرية ذاتها يتم تكريمه فى قطر من قبَل المؤسسات القومية هناك! ويزداد تعجبك حينما تقرأ أن مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب -وركز على مكافحة الإرهاب- قد عقد شراكة مع جامعة حمد بن خليفة لوضع استراتيجيات منع التطرف ومكافحة الإرهاب ودعم الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة فى حال احتياجهم للمساعدة فى مكافحة الإرهاب! بل إن وكيل الجامعة وعميد كلية الدراسات الإسلامية بها والمُوكل له الإشراف على وضع تلك الاستراتيجيات والتباحث مع الأمم المتحدة هو عماد عطوة شاهين الإخوانى المصرى الهارب من تنفيذ حكم صادر ضده فى قضية التخابر الكبرى مع 20 متهماً آخرين من بينهم محمود عزت وصلاح عبدالمقصود! فعن أى مكافحة إرهاب تتحدث قطر والأمم المتحدة؟!
هل تتخيلون الفصام الدولى؟ دولة متهمة بالإرهاب وتمويله واحتضان جماعاته يُفتتح بها مكتب أُممى فى العام 2018 فى الوقت الذى تتعرض فيه لمقاطعة 4 دول عربية لاتهامهم لها بدعم الإرهاب! هل تتخيلون معى أن من يديرون الحوار مع الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب هم إخوان ومنتمون للقاعدة متهمون بالإرهاب؟ هل تتخيلون أن الأمم المتحدة تطلب من أعضائها، ومنهم مصر، مساعدة قطر، المتهمة، وفقاً لاعترافات من تم القبض عليهم من إرهابيين فى سوريا وليبيا ومصر والسودان، بتمويل الإرهاب وتمويلهم لنشر القتل والترويع؟! إنها كوميديا مبكية تؤكد عبثية المشهد.
نعم سعت قطر، وعلى مدى سنوات وبأى وسيلة، لاحتلال مكان بين الكبار، ظنت فى البداية أن قناة الجزيرة كفيلة بمنحها تلك المكانة، ثم زادت طموحاتها لتلعب دور الوسيط كما حدث فى مارس 2003 على سبيل المثال بمؤتمر القمة الإسلامية لوقف العدوان الأمريكى على العراق، بينما طائرات أمريكا تقلع من قاعدة العيديد لضرب العراق! وكما حدث حينما دفعت 44 مليون دولار، وفقاً لـ«رويترز»، للأحزاب السياسية اللبنانية فى 2008 لإنجاح وساطتها بينهم لتشكيل حكومة! وكما حدث عندما احتضنت حركة طالبان ورعت المحادثات بينها وبين واشنطن فى 2020!
لا تدرك قطر أن المكانة لا تُشترى بالمال وأن التأثير لا يُكتسب بالخراب، ولكن تمنحهما الحياة للصادقين فى نياتهم والمخلصين فى عملهم. ولكن قطر تعيش عقدة تضاؤل المكان والمكانة، فتسعى للبحث عما يعوّض ذلك بشتى الطرق حتى لو أصبحت وسيط الخراب.