بقلم: نشوى الحوفى
عام مضى على فوز قيس سعيد برئاسة تونس بأغلبية تصويت فى الانتخابات الرئاسية التونسية لعام 2019، وها هى الذكرى العاشرة للثورة التونسية تدق على الأبواب، وبين فوز سعيد وثورة قرنوها بالياسمين، تعانى تونس اقتصادياً إلى الحد الذى دفع ببعض التقارير الدولية إلى القول إنها باتت على شفا الإفلاس!
فى السابع عشر من ديسمبر عام 2010 أشعل محمد بوعزيزى، المواطن التونسى من بلدة سيدى بوزيد، النار فى جسده، يومها قال الجميع إنها حالة يائسة تعبّر عن مئات الآلاف من العاطلين التونسيين الذين يعانون وطأة فساد الطبقة الحاكمة وسيطرة رجال الأعمال على مقادير السياسة والاقتصاد، ولكن اليوم تتردّد تفسيرات أخرى لتلك الحالة التى يرى البعض أنه تم تضخيم استخدامها لإشعال فتيل الغضب بين فئات الشعب، لتحقيق ما سبق الاتفاق عليه من قبل.. ثورة تغير ملامح الحكم وتمنح السلطة للإخوان فى تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا! أتراها مصادفة؟ أبداً لم تكن.
وفى مثل هذا الشهر من العام الماضى، فاز قيس سعيّد بمنصب الرئاسة فى تونس بنسبة 72% من أصوات الناخبين. نجح سعيد القادم من مقاعد التدريس الجامعى فى حشد الأصوات له، رغم عدم قيامه بحملة دعائية لانتخابه! حظى بتأييد الغالبية بدعم الإخوان له فى الخفاء رغم ترشيحهم للقطب الإخوانى عبدالفتاح مورو، الذى ترأس مجلس النواب بعد وفاة الرئيس السبسى فى يوليو 2019! هل ينتمى سعيد إلى الإخوان؟ لا أحد يعلم ذلك، البعض رأى أنه ربما يكون من خلاياهم النائمة، والبعض نفى انتماءه للإخوان ودلل على ذلك بصدامه معهم مؤخراً فى أكثر من موقف. رفع سعيد شعار «الشعب يريد» وقت الانتخابات فى إشارة إلى ضرورة تنفيذ مطالب التونسيين وتحقيق التنمية المرجوة لهم. ولكن «سعيد» لم يحقّق ما وعد به على المستوى السياسى والاقتصادى معاً. لقد اكتشف التونسيون أن رئيسهم يصرح بعبارات تحمل أكثر من وجه، ويمكن تفسيرها على أكثر من محمل، لا موقف حاسماً ولا قرار نهائياً. حالة من التربص تسود تونس فى ظل الخلاف السياسى الواقع بين حزب النهضة الإخوانى من جانب وبعض الأحزاب السياسية الأخرى الرافضة لأخونة الدولة وسياساتها، ومن جانب آخر الخلاف السياسى الحادث بين الرئيس التونسى والأحزاب السياسية!
المواطن ربما لا تعنيه السياسة فى المقام الأول، الاقتصاد هو مفتاح الحل فى كل الأوقات، ولكن تونس لم تفلح فى حل مشكلاتها الاقتصادية التى تزداد سوءاً يوماً بعد يوم. فالبلد الذى ربما لا يتجاوز عدد سكانه 12 مليون نسمة تقدر نسبة النمو فيه بسالب 6.5% وفقاً لتقديرات البنك المركزى التونسى، بينما يقترب حجم ديونه الخارجية من 80% من حجم الناتج المحلى. وفى الوقت الذى قدرت فيه وزارة المالية التونسية حجم الموازنة العامة للدولة للعام 2021 بقيمة 17.5 مليار دولار، فإنها قد أعلنت عن احتياجها إلى نحو 4 مليارات دولار لإكمال الأشهر المتبقية من العام المالى 2020. ليس هذا وحسب، ولكن وفى وقت يشكو فيه غالبية التونسيين من البطالة إلى 20% وزيادة نسب التضخم إلى 8% وارتفاع الأسعار، تتراجع نسبة مخصّصات الدولة فى الاستثمار هذا العام إلى ما يقرب من 0.5 مليار دولار فقط! وفى ظل أوضاع اقتصادية وسياسية مضطربة يصعب على تونس أن تكون جاذبة للاستثمار الأجنبى. فى الوقت الذى يرتفع فيه العجز التجارى إلى 11%. ربما يقول البعض إن الاقتصاد العالمى كله تأثر فى عام 2020 بسبب جائحة كورونا، إلا أن الوضع فى تونس يزداد سوءاً، فى ظل عدم اتخاذ أى إجراءات أو خطوات من شأنها تقليل حدة الأزمة على التونسيين، لا قبل كورونا ولا بعده.
مرة أخرى نعود إلى المواطن الذى انتظر التغيير والتنمية الشاملة والاستقرار السياسى بعد ثورة الياسمين عام 2010، كما انتظر أن يقود قيس سعيد تونس إلى الحلم ذاته بعد سنوات المهادنة السياسية بين الرئيس التونسى الراحل قائد السبسى وحزب النهضة، ولكن ها هى سنوات عشر تنتهى وما زالت الأحلام بالسالب كما هو الحال مع نسبة النمو.