بقلم: نشوى الحوفى
بعد مفاوضات استمرت 17 سنة، أُعلن فى أول أيام عام 2021 إطلاق مرحلة التشغيل التجريبى لمنطقة التجارة الحرة الأفريقية التى أشعلت الآمال بقارة موحدة على الأقل جمركياً واقتصادياً بشكل يمكّنها من الارتقاء بسكانها البالغ عددهم نحو 1.3 مليار نسمة وبتكتل اقتصادى يُقدَّر بنحو 3.4 تريليون دولار.
تقول الأرقام المذكورة عن المشروع إن إقامة منطقة تجارة حرة بين دول أفريقيا -وهو ما يعنى تحرير الرسوم الجمركية على تجارة السلع بين الدول الأفريقية بنسبة 100٪- يؤدى إلى تحقيق مكاسب عدة لعل أهمها زيادة فرص الوظائف بنسبة 1.2٪، وزيادة الناتج المحلى لدول أفريقيا بنسبة تتراوح من 1 - 3٪، وزيادة التجارة البينية بين دول أفريقيا بنسبة 33% وخفض العجز التجارى بنسبة 50%. وهو ما يعنى وفقاً لتقديرات البنك الدولى انتشال الملايين من مستنقع الفقر بحلول عام 2035. وقد نشر الاتحاد الأفريقى تقريراً حول أهمية تلك المنطقة لدوله أكد فيه أنها ستساهم فى زيادة التبادل التجارى بين دول أفريقيا بنسبة 60% بحلول عام 2022، بينما أن نسبة التبادل التجارى بين دول أفريقيا اليوم لا تتجاوز 16% مقارنة بحجم التجارة بين الدول الأوروبية الذى يقدر بنسبة 65% من حجم تجارتها.
ولكن هل يمكن أن تتجاوز دول أفريقيا مشكلات تتجذر فى أرضها؟ هل يمكنها تخطى أزمة ضعف البنية التحتية داخل الدول وفيما بينها، من طرق وموانئ ومطارات وسكك حديدية؟ على سبيل المثال وحسب الدراسات المنشورة فإن حوالى 60% من سكان المناطق الريفية فى أفريقيا لا يملكون طُرُقاً صالحة للاستخدام طوال العام، وهو ما جعل كلفة النقل فى أفريقيا الأغلى فى العالم وفقاً لدراسة نُشرت بموقع قراءات أفريقية 2018 عن البنية التحتية الأفريقية، وكذلك حال السكك الحديدية التى تعجز عن سد احتياجات كل دولة على حدة، حيث إنها تعود لعصور الاحتلال الذى ربطها بمواقع الإنتاج وموانئ التصدير فقط. وهو ما ينطبق على المطارات والموانئ البحرية أيضاً. ووفقاً للأرقام أيضاً فإن إنفاق دول أفريقيا مجتمعة على بنيتها التحتية لا يتجاوز 20 مليار دولار فى العام، بينما إنفاق مصر على بنيتها التحتية فى 6 سنوات مضت بلغ نحو 248 مليار دولار.
ليست البنية التحتية فقط ما يواجه إنجاح منطقة التجارة الحرة، هناك أيضاً النزاعات المسلحة فى القارة، سواء بين أطياف الدولة الواحدة، كما يحدث على سبيل المثال بإثيوبيا بين إقليم التيجراى والنظام المركزى فى أديس أبابا، أو بين الدول وبعضها مثل السودان وإثيوبيا. فحتى الآن لم تستطع فكرة المصلحة الكبرى لسكان القارة أن تجمع شمل الدول المشتركة فى التاريخ والحدود والثروات الطبيعية، فإن كان الصراع داخل الدولة الواحدة فى أفريقيا اليوم لا يزال قائماً على من تكون له الغلبة: الهوية العرقية أم الهوية الوطنية؟ فإن الصراع بين الدول الأفريقية ما زال قائماً بما يحقق مصالح المحتل الذى ربما لم يرحل عن تلك الدول إلا بآلياته العسكرية والإدارية، بينما لا يزال قائماً فى وجدان تلك الدول ومصيرها. على سبيل المثال فإن 14 دولة فى أفريقيا كانت تخضع للاحتلال الفرنسى لا تزال عملتها الفرنك الأفريقى المربوط بالفرنك الفرنسى بما يدعم الاقتصاد فى فرنسا!
هناك أيضاً الإرهاب وميليشيات الاتجار بالدين كالقاعدة وداعش، حيث ذكر تقرير لصحيفة التايمز البريطانية فى أكتوبر الماضى أن داعش يتمدد فى أفريقيا، وضربت أمثلة بحادث هروب أكثر من 1300 سجين متطرف من سجن الكونغو، وقيام 300 جهادى من موزمبيق بمهاجمة مركز للشرطة فى تنزانيا، حيث قتلوا عشرات الأشخاص. كما أشارت تقارير دولية إلى أن أفريقيا شهدت فى الأشهر الستة الأولى من عام 2020 نحو 1168 هجمة إرهابية، فيما سجلت عدة دول أفريقية بعد ذلك هجمات إرهابية أبرزها فى نيجيريا وموزمبيق ومالى والصومال. هذا غير إغلاق الحدود بين الدول الأفريقية مثلما حدث بين نيجيريا والنيجر والكاميرون لوقف تهريب البضائع، أو بين السودان وليبيا لوقف عبور الإرهابيين.
ما تم الإعلان عنه من منطقة تجارة أفريقية حرة هو الأمل بعينه، ولكنه يحتاج لإرادة جادة مخلصة لاستكماله وإسعاد 1.3 مليار إنسان يسكنون القارة.