بقلم - نشوى الحوفى
كان لا بد من التوقف أمام تصريحات ولى العهد السعودى محمد بن سلمان لصحيفة «واشنطن بوست»، فى نهاية شهر مارس الماضى وقت زيارته لواشنطن، حيث قال لمحاوره إن بلاده سعت لنشر الوهابية فى العالم بطلب من حلفائها لمواجهة نفوذ الاتحاد السوفيتى! وإن أخطاء ارتُكبت من قبَل الحكومات المتتالية على مدار السنوات الماضية وجب إصلاحها اليوم!!
ربما لا يحمل تصريح الأمير دهشة لمن يتابع التاريخ السعودى منذ تحالف محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر من جانب، ولمن يتابع تاريخ استخدام الدين فى لعبة السياسة من جانب آخر، فقد ضمن «آل سعود» بتبنّيهم للفكر الوهابى السند الدينى على المستوى الداخلى لشبه الجزيرة العربية التى كانت، وما زالت، قبلية الفكر رغم تشييد الدول ورسم الحدود. أما على المستوى الخارجى فقد كانت المملكة بحاجة لمن يدعم سلطانها بين دول العالم ويحمى ثرواتها النفطية والعروش القائمة لحمايتها. وهكذا وجد الحلفاء، بزعامة أمريكا، ضالتهم فى المنطقة البكر التى قرروا أن يستعمروها بشركات نفطهم وتحالفاتهم السياسية والعسكرية -حتى لو كان ذلك ضد مصالح المنطقة- فى مقابل إظهار أهمية فكرهم الوهابى، لا لشىء سوى مقاومة التمدد السوفيتى بعد الحرب العالمية الثانية وبدء الحرب الباردة! فكان إنفاق السعودية مليارات من الدولارات على إنشاء المدارس والمساجد وحملات الدعاية التى تروّج للفكر الوهابى بكل تشدده وجموده، ومن دون مراجعة!!
لكن لا شك أن تصريح ولى العهد السعودى يحمل الكثير من الحزن والوجع لبلادنا العربية -خاصة مصر- التى عانت من الوهابية وفكرها السلفى الذى توقف عند مجتمع المدينة رافضاً إعمال العقل والضمير. تصريح يحمل الوجع لفكر أساء لدين الله حين قدّس تفسير البشر تاركاً تقديس النص والاجتهاد فيه. تصريح يقترن به سؤال: وماذا بعد أن انهار الاتحاد السوفيتى وتفتتت أوطان ببلادى العربية وضربها وباء التطرف والتشدد بذاك الفكر المروَّج له عبر السعودية وحلفائها حين صارت الرياض قبلة السلفية فى مصر والعالم العربى؟ وماذا بعد أن ساءت صورة الإسلام، فصار المقترن بكل عنف وهو منه براء؟
نعم، بدأت السعودية التخلى عن فكرها الجامد باسم الدين، حتى إنها افتتحت، منذ أيام، أول دار عرض سينمائى للجمهور! كما سحبت ملايين النسخ من الكتب التى تتناول أفكاراً لا تعبّر عن سماحة الدين وتحمل رؤى كل متشدد، ووزعت ملايين غيرها تركز على سماحة الإسلام وقبوله للتنوع! وكأن الحلفاء قد أنهوا مهمتهم بعد انهيار الاتحاد السوفيتى ونشر جماعات التطرف المسلحة باسم الدين فى ربوع أراضينا، وهكذا يمكن للمملكة نسيان الماضى الذى صدّرت فيه فكرها المتطرف لنا!!
ولكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالمملكة لا تغير طرازاً للملابس ولكن طرازاً للفكر والتدين، فهل سيقبل من نشّأتهم على تلك الأفكار بما تقوم به؟ وماذا عنا نحن فى مصر والبلاد العربية التى باتت كحديقة خلفية للسلفية الوهابية وفكرها المقرون بالعنف؟ ففى مصر مؤسسات وأفراد من السلفيين يعيشون على عطايا المملكة مقابل الترويج لهذا الفكر، فماذا عنهم، وإلى اين ستتجه قبلتهم؟ وهل سيدرك المخدوعون ممن صدقوا عمامات المتاجرين بالدين أنهم ضحايا عملية نصب سياسى دولى لا شأن للدين بها؟
من هنا كانت ضرورة تجديد العقل فى بلادى.. فما أحوجنا إليه.
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع