بقلم : نشوى الحوفي
لم أتعجب لافتتاح حركة طالبان -المصنفة كحركة إرهابية من واشنطن- مكتباً لها فى قطر عام 2013 رغم وجود قاعدة العيديد الأمريكية فى قطر! كما لم أتعجب حينما أعلنت واشنطن المفاوضات مع طالبان بوساطة قطرية لإحلال السلام فى أفغانستان -التى هاجمها الناتو بقيادة الولايات المتحدة فى 2002 بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 ومقتل أكثر من 3000 أمريكى! ولكن كان لا بد من قراءة مشهد توقيع أمريكا لاتفاق سلام مع طالبان الأسبوع الماضى لفهم المشهد على حقيقته.
نص الاتفاق على وقف كل من الطرفين -طالبان وأمريكا ومعها الناتو- لعملياتهما العسكرية فى أفغانستان، وأعلنت واشنطن تخفيض عدد قواتها فى أفغانستان بعد 18 عاماً قضتها بها. مع تعهد طالبان بعدم شن أى هجوم ضد أمريكا أو قواعدها فى أى مكان بالعالم، وكذلك التزام طالبان بقطع العلاقات مع «القاعدة» و«داعش». وهى بنود تبدو فى ظاهرها السلام لبلد لم تتوقف فيه الحرب منذ ديسمبر 1979 حينما اجتاحتها القوات السوفيتية، وما تلاها من حرب أهلية بين ميليشيات السلاح المنبثقة عن مقاومة السوفيت. واستيطان جماعات التكفير من كل العالم بها حتى باتت عاصمة لتنظيم القاعدة وقيادييه الأشهر أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى. حتى اجتياح القوات الأمريكية وقوات الناتو لها فى العام 2002. ولكن هل يمكن اعتبار هذا الاتفاق بحق اتفاق سلام قادراً على إنهاء معاناة الأفغان؟
المتابع للمشهد بكل تفاصيله يجيب بالنفى على هذا السؤال. فلا يمكن لاتفاق يسعى لإقرار السلام أن يتم فى غياب الحكومة الأفغانية المنتخبة. فطالبان التى نشأت من شتات مسلحين كانوا يسمون أنفسهم «المجاهدين» مولتهم واشنطن ودول الخليج لمقاومة الاتحاد السوفيتى، وأعلنوا السيطرة على العاصمة كابول وأقاموا فيها إمارتهم الإسلامية عام 1996، واعترفت بهم السعودية والإمارات وباكستان من دون بقية دول العالم ثانى أيام سيطرتهم على كابول، قبل تخليهم عن ذلك فى العام 2001، لن يرضوا بسلام لا يمنحهم الحكم فى أفغانستان والمشاركة الاقتصادية والسياسية فيها، وهو ما يعنى مزيداً من التمكين لميليشيات السلاح التى تدعى أنها عنوان الإسلام. فى وقت كانت قد أعلنت فيه المخابرات الروسية منذ العام 2017 أن أفغانستان عادت قبلة لتجمع التكفيريين فى العالم.
لا يمكنك فى هذا المشهد تجاهل خطوات الدولة الوسيط وهى قطر التى تدعم المشروع الإخوانى وتنظيمه كما تدعم وتمول حركة حماس الذراع العسكرية للإخوان فى غزة، كما كانت ممولاً لجبهة النصرة فى سوريا وميليشيات الإخوان فى غرب ليبيا وميليشيات السلاح فى الصومال وغيرها من الدول الأفريقية، لتدرك أن دور الوسيط المضيف لمكتب طالبان منذ 2013 ليس إحلال السلام ولكن مزيد من التمكين لتنظيم الإخوان الإرهابى فى بقعة تستضيف التكفيريين منذ 39 عاماً، وكأننا ندعم أفغانستان كنقطة انطلاق للتكفير المتطرف.
أما الولايات المتحدة، فبعيداً عن قصة السلام الذى تسعى لتطبيقه، فهى الساعية بهذا الاتفاق إلى مزيد من فوضى ومزيد من تمكين لتنظيم الإخوان بالتوغل فى المنطقة. فأفغانستان وإيران كانتا البداية لتنفيذ مخطط برنارد لويس بيرجينسكى الذى أقرته الإدارة الأمريكية فى مخططاتها منذ العام 1977 لتقسيم منطقة الشرق الأوسط إلى دويلات وطوائف، حيث إن إسرائيل لا يمكن أن تكبر ولكن ما حولها لا بد أن يصغر ويتضاءل لتزيد سيطرتها. وبخاصة مع تحليلات ترصد رد الفعل الإيرانى تجاه المشهد، حيث ستسعى إلى دعم الجماعات الشيعية فى أفغانستان والمعروفة باسم «الهزارا» ليزداد الانقسام والتفتت الحادث فى المنطقة.
ولذا فالأيام كاشفة لهذا الاتفاق الذى لا يحقق السلام ولكنه يعيد ترتيب أوراق قديمة فى منطقة تتفتت كل يوم لتحقيق أهداف تل أبيب وحليفتها واشنطن