بقلم: نشوى الحوفى
تعجب البعض من ذلك المشهد الذى تناقلته الفضائيات منذ أيام، حينما انطلقت من تل أبيب طائرة إسرائيلية إلى المغرب وعلى متنها جاريد كوشنر مستشار وصهر الرئيس الأمريكى ترامب، ومستشار الأمن الإسرائيلى وعدد من المسئولين ورجال الأعمال الإسرائيليين، الذين عقدوا مؤتمراً صحفياً على مرأى ومسمع من العالم قبل انطلاقهم تحدثوا فيه عن السلام وأهميته للإنسانية!!
ومن يقرأ التاريخ القريب لا يتعجّب من التطبيع الإسرائيلى - المغربى، بل ربما يتساءل: ولمَ تأخر كل هذا الوقت؟ وذلك لأسباب أهمها:
أولاً: أن المغرب ومنذ بداية ستينات القرن الماضى على علاقة قوية بإسرائيل رغم التوتر المعلن بينها وبين العرب عموماً ومصر على وجه الخصوص. فقد سبق للعرب محاربة إسرائيل فى عام 1948 وهُزموا، وأعلنت دولة إسرائيل فى مايو من العام نفسه. وشاركت إسرائيل فى العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 مع بريطانيا وفرنسا. ولكن وفى ظل حالة الهوس الصهيونى بتصدير يهود العالم إلى الدولة الوليدة ليحلوا محل عرب فلسطين فى التركيبة السكانية وبأسرع وقت، نفّذ الموساد مع المغرب عملية «ياخين» فى الفترة بين 1961 - 1964، وتم فيها تهجير ما يقرب من 97 ألف يهودى مغربى عبر دول أوروبا إلى إسرائيل، وحصلت المغرب على تعويضات مالية!
ثانياً: فى عام 2016، نشرت مواقع الأنباء العالمية، ومنها «سى إن إن» الأمريكية وفرنسا 24 تقريراً تضمّنت تصريحات لرئيس المخابرات العسكرية الأسبق شلومو جازيت، قال فيها إن كل تفاصيل القمة العربية التى عُقدت بالرباط عام 1965، تم تسجيلها بواسطة خبراء إسرائيليين كانوا فى الفندق نفسه المنعقدة فيه القمة قبل بدئها، وقاموا بزرع أجهزة التنصت والتسجيل التى أُرسلت إليهم بعد نهاية القمة، بالتنسيق مع ملك المغرب أيضاًًً الحسن الثانى، وهو ما أكده عدد من المؤرخين المغاربة، حسب التقرير المنشور فى عام 2016، مؤكدين أن الملك الحسن الثانى لم يكن على وفاق مع الرئيس جمال عبدالناصر! المحزن أن تلك القمة حضرها وزراء الدفاع العرب وقادة جيوشهم وأجهزتهم الأمنية، وتناولت فى أجزاء كبيرة من حواراتها معلومات تفصيلية عن القدرات الدفاعية لكل دولة. وقتها كان الجيش المصرى مغروساً فى اليمن، بينما تتصاعد بينه وبين إسرائيل وتيرة الصراع، ورغم ذلك تم تسجيل الاجتماع وإرسال تفاصيله إلى إسرائيل!
ثالثاً: فى مذكراته المنشورة فى باريس، ذكر الملك الحسن الثانى أنه اقترح على العرب ضم إسرائيل إلى جامعة الدول العربية، وأنه لا يرى أى شىء فى ذلك، طالما أنها دولة قائمة وموجودة بالفعل! كما أنه استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلى الراحل شيمون بيريز فى زيارة رسمية للمغرب عام 1986، ثم اعترفت المغرب بدولة إسرائيل رسمياً عام 1994، حينما فتحت الأخيرة مكتب اتصال لها فى الرباط، وبعدها بعام فتحت المغرب مكتب اتصال لها فى تل أبيب. ولذا لم يكن مستغرباً أن يشارك فى جنازة الملك الحسن الثانى عام 1999 شخصيات إسرائيلية بارزة قدرتها بعض التقارير بنحو 200 شخصية.
قد يقول قائل: ولكن المغرب شاركت فى حرب أكتوبر 1973 بلواء مشاة مع القوات المصرية، ولواء مدرع مع القوات السورية. كما أن المغرب ومنذ عام 1975، تتولى منصب رئيس لجنة حماية القدس بقرار من منظمة التعاون الإسلامى، فكيف تتعاون مع إسرائيل؟ الحقيقة أن هذا لا يمنع حدوث ما سبق ذكره من وقائع معروفة، فقد أدمنّا نسيان التاريخ حتى القريب منه. أفلم تكن الأردن معنا كعرب فى العلن فى حرب أكتوبر 1973، بينما كان ملكها الراحل من أبلغ جولدا مائير بأن مصر وسوريا على وشك الهجوم على إسرائيل، ولولا ستر الله لافتضح أمر الحرب السرى؟! والأمثلة عديدة للأسف.
لذا القضية بالنسبة لى ليست المغرب، ولكن القضية هى إسرائيل التى تُغير من استراتيجيتها تجاه مصر. فإذا كانت فى السبعينات قد أعلنت مواجهتنا باستراتيجية قص الأطراف وعنت بها قطع أطرافنا مع العرب وأفريقيا لتحل محلنا، فهى اليوم توسّع شبكة التطبيع العلنى وتتمدّد فيه بتحدٍّ وإصرار يقبله للأسف العالم العربى المطبع بعد سنوات من علاقات سرية. ولذا لا يبقى إلا وعينا الشعبى لتظل إسرائيل عدونا للأبد، فلا ننسى دم الجدعان فى التاريخ القريب والقريب جداً جداً.