بقلم: نشوى الحوفى
أتذكّر فى العام 2011، وبعد أيام من إعلان تنحى الرئيس السابق مبارك، مشهد تلك الاعتصامات التى أحاطت بمجلس الوزراء من قطاعات مختلفة من العاملين فى الدولة الذين طالبوا بتطبيق مبدأ تعيين أبنائهم فى الأماكن التى يعملون بها!
بالطبع كانت تلك مفارقة كتبت عنها فى حينها فى جريدة المصرى اليوم متساءلة: «كيف يطلب الشعب الذى ثار على مبارك رافضاً توريثه الحكم لابنه جمال مبارك أن يورَّث أبناء العاملين منهم فى الحكومة الوظيفة؟!». وأذكر تعليقى يومها بأن مبارك فشل فى توريث منصبه لابنه بينما المصريون الذين رفضوا التوريث يسعون لتوريث أبنائهم الوظيفة!
بالطبع مفارقة كوميدية ولكنها ليست بالبعيدة عن سلوك المصريين الذى يمكن أن ترى فيه الشىء ونقيضه فى آن واحد، وبخاصة أنه لا يوجد فى القانون ولا الدستور بند أو مادة تحمل اسم «تعيين أبناء العاملين»، بل هو عُرف جرى اتباعه من باب كسب رضا العاملين فى المؤسسات الحكومية، ويمكنك تسميته رشوة وظيفية أو أنه فساد إدارى توارثه جيل وراء جيل وانتشر فى المجتمع حتى ظن الناس أنه قانون بينما لا قانون يحمل ذلك الإرث الظالم.
لماذا تذكرت هذا الموقف؟
حينما قرأت خبراً منشوراً بجريدة الوطن عن بيان تقدمت به نائبة مجلس النواب سلمى مراد، عضو الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، إلى المستشار حنفى جبالى، رئيس مجلس النواب، ضد رئيس مجلس الوزراء بصفته فيما يخص قرار البنك الزراعى المصرى بتعيين عدد 100 من أبناء العاملين من الخريجين الجدد من خلال مسابقة تم الإعلان عنها داخل البنك! وذلك وفقاً لما تم إعلانه من قبَل رئيس مجلس إدارة البنك الزراعى المصرى. وأضافت النائبة، فى بيانها، أن الإعلان الداخلى جاء فى الفترة من 1 مارس حتى 15 مارس 2021، وسيكون التقديم من خلال الأب أو الأم العاملين بالبنك من خلال الشبكة الإلكترونية الداخلية للبنك، وهو ما قال بيان النائبة إنه يمثل اعتداء سافراً على حقوق الشباب المصرى وحقهم الدستورى فى المساواة وعدم التمييز.
لم يدهشنى الخبر ولا البيان ولكننى تساءلت عن المساواة والعدالة التى نتحدث عنها جميعاً ليل نهار ونطالب بتطبيقها حتى ينعم المجتمع بالرخاء والتقدم وينجح فى مكافحة الفساد. بينما «نحن» ذاتنا نمارس عكس ما نطالب به لو واتتنا الفرصة لتحقيق مصلحة خاصة، و«نحن» ذاتنا من نلتف حول القوانين لو كانت ضد ما نسعى له، و«نحن» ذاتنا من يدفع الرشوة ويقبل بها لسرعة إنهاء مصلحة أو لأخذ منفعة ليست من حقنا! فأى تناقض ذلك بين قول وسلوك؟ وأى تربية نتحدث عنها أمام أبنائنا ونريدهم أن يجعلونا قدوة؟! وأى تدين ندّعيه لدين هو برىء منا إن أخذنا منه عادات التعبد وتركنا جوهرها؟
نعم.. ربما يمر الخبر مرور الكرام، وربما لا يجد رئيس الوزراء بصفته المسئول عن بنك حكومى يتبع الدولة وقتاً لقراءة البيان أو الرد عليه، وربما يتم تعيين الأبناء المائة ليرتاح أهاليهم من العاملين، ولكن هذا لا يصنع العدالة ولا يقاوم الفساد، اللذين يحتاجان لضمير كل منا لا ضمير المسئول فقط.
فهل نواجه «نحن»؟