بقلم : نشوى الحوفي
قالت لى باكية: «ابنى وحيدى مات أبوه فى حادثة وكان لسه عمره سنتين، كان مولود بإعاقة فكرية لكن أنا كافحت رغم نقص الإمكانيات والدعم فى بلدنا عشان يكمل تعليمه ويدخل الجامعة. وعمرى ما تخيلت إن عميد الكلية يقوله لما دخلنا له نشرح له حالته ونطلب دعمه: «إيه اللى جايبك هنا؟ روح اتعلملك حرفة»!
وقال لى أحد أبنائى متعجباً: «ليه الناس بتبص لى بغرابة لما باعمل حاجة حلوة وكأنى مش إنسان زيهم؟ ليه بيعاملونى على إنى أقل منهم؟ ساعات باسمع أمهات زمايلى فى المدرسة وهمّا بيقولوا لولادهم ما يلعبوش معايا أحسن أبوظ عليهم اللعب عشان ما باشوفش»!!
وقالت لى أم: «بنتى انصابت بشلل نصفى بعد ولادتها بسنتين، ما بتتحركش غير على كرسى متحرك، القانون بيقول المدارس على كل أنواعها لازم توفر أماكن وفصول للدمج عشان اللى زى بنتى يعيش حياة طبيعية، تخيلى إن مدير المدرسة نقل فصلها فى الدور التانى بعد ما كان فى الدور الأرضى! ودخلت وشرحت له وتوسلت له ورغم كده ما عملش حاجة وقال لى يبقى حد يشيلها يطلعها وينزلها»!
وقال لى أب: «أزمتنا فى التنمر اللى بيحصل لولادنا من زمايلهم ومدرسينهم إنهم مش فاهمين يعنى إيه اختلاف. ابنى داون سيندروم وعانيت علشان أفهم مدرسته إنه طبيعى بس عنده قدرات مختلفة، كانوا بيسمعونى لكن بعد شوية يتجاهلوه أو يتنمروا بيه أو ينسوا الكلام اللى قلته ليهم!!».
تذكرت كل تلك الحكايات وهى نقطة فى بحر وأنا أتابع احتفال «قادرون باختلاف» فى دورته الثانية على التوالى لتكريم ذوى الاحتياجات الخاصة بحضور الرئيس. استمعت لـ«مهند»، أحد أبنائنا من ضعاف البصر، حين قال للرئيس: «عايزين نقرر منهج لاحترام الآخر ويتم تدريسه فى المدارس والجامعات». واستمعت لرد الرئيس فى الحال: «سيتم تنفيذ الاقتراح فوراً». نعم.. أتفهم مغزى طلب «مهند» من الرئيس، فهو وغيره من أصحاب القدرات، يعانون من سلوكيات عدم تقبل المختلف عن المعتاد فى بلادى للأسف. وتتفاوت هذه السلوكيات بين نظرة شفقة، مروراً برفض وجود أو عرقلة مسيرة، انتهاءً بتنمر لا تفهم معناه!
صفقت لـ«مهند» والرئيس معاً وأنا أتابع المشهد، وسرحت فينا وكيف أننا بحاجة إلى تعلم ثقافة قبول الآخر واحترامه وأن وجود الاختلاف فى الشكل أو القدرات أو الدين أو اللغة أو الجنس. فعلى الرغم من أن عقائد الله السماوية كلها حضت على التعايش والسلام، إلا أن بعضنا يردد تلك المفاهيم بحكم العادة لا العبادة والإنسانية. رغم شرح المصطفى، صلوات ربى عليه وسلامه، لمفهوم كيف خُلقنا قبائل وشعوباً لنتعارف على اختلافنا دون فروق. وتقبل المسيح الخطاة والعاصين قائلاً إن ابن الإنسان قد جاء يطلب ويخلِّص ما قد هلك. ولكننا نردد تلك المعانى ككلمات مجردة دون التعمق فى معناها وهدفها.
تأمل معى ألوان الطيف السبعة.. تتميز فيما بينها بتفردها واختلافها، ولكنها مجتمعة تمنحنا بياض اللون ولو اختفى أحدها ما حصلنا على الأبيض. البشر مختلفون ولكنهم أبداً لم يُخلقوا ناقصين فهو القدير الذى خلقنا متكاملين حتى ولو كان من ذوى الاحتياجات. فلو عدت إلى العلماء فى شرح كيفية تلقيح البويضة لوجدتهم يشرحون كيف أن ملايين من الحيوانات المنوية تنطلق فى تلك الرحلة، تموت كلها ما عدا واحد منها هو الأنقى. ولذا فحتى المختلفون منا خُلقوا فى أحسن حال وفقاً لمشيئة الله.
ولذا تتعجب من تنمر بعضنا ببعضنا لاختلاف منحهم القدرات باختلاف. ليتنا نتعلم وندرك ونربى أبناءنا على أنه لا حيلة لنا فيما يحدث لنا وكلنا معرضون فى الحياة لأن نكون مختلفين فى لحظة ما بشكل ما.