بقلم : نشوى الحوفي
أقف أمام قضية المصالحات فى قانون البناء والتعدى على أراضى الدولة، أتأمل حال مجتمع أجاد البكائية واتهام الآخرين دون أن ينظر لمرآة ذاته. الجميع يشير بأصبع اتهامه للآخرين، دون أن يركز فى أصابع يده التى تشير منها ثلاثة إليه هو ذاته. نعم فلو أردتم الحق.. تلك قضية ذات أطراف عدة..
مواطن كان يعلم أنه يبنى مخالفة للقانون وذهب بنفسه وإرادته الحرة لمواطن آخر فى موقع المسئولية واتفق الاثنان على الفساد والإفساد. الأول دفع رشوة لأخذ حق ليس له، والثانى أخذ رشوة لمنح حق لا يملكه. وتراضى الطرفان وذهبا تحت سمع وبصر مواطنين آخرين يعملون بالحكومة فى محليات أو قسم الشرطة وهؤلاء كانوا يعلمون ما يجرى وأهملوا أو تكاسلوا أو صهينوا -بمصلحة أو بدون- فى تنفيذ القانون على المخالف!!!
هناك أيضاً مواطن كان يمر على المخالفات والتعديات فيتعجب ويمصمص شفتيه من غياب دولة القانون، وربما كان من المعلقين أو المندوبين لطرح رؤية فى الإعلام فيصول ويجول شارحاً حجم الثروات التى راحت على الدولة من جرَّاء تلك الأراضى المنهوبة والمبانى المخالفة والفساد الذى يجب مواجهته بحسم! ولكنه اليوم وجد أن الموجة تركب سفينة التعاطف مع من وجب تنفيذ القانون عليهم، فركبها فوراً ببوست على الفيس بوك أو تغريدة على تويتر تحمل شعار «الرحمة»!؟!
أضف لقائمة الأطراف فى تلك القضية رجال أعمال يعتبرون دفع الضرائب «عبط»، والمشى المعوج «شطارة»، ودوماً ما يعتمدون على حبايب كُثر -مواطنين آخرين فى دواوين الحكومة- يسهلون لهم كل شىء برشوة وتبادل منفعة على طريقة مرجان أحمد مرجان، بينما يحدثوننا عن الشرف والنزاهة والاستثمار فى سيناء وأهمية الدور الذى يلعبه رجال الأعمال فى المجتمع!؟
ولذا أقولها يا سادة: قضية المخالفات والتعدى على أراضى الدولة كلها منظومة فاسدة يحاسب فيها المسئول والمسائل. فكلاهما لا يعرف الضمير. يحاسب فيها الموظف الذى منح الترخيص مع المواطن الذى دفع الرشوة، والأمين والموظف الذى لم يفعّل تنفيذ القانون، ورئيس المحليات الذى لم يتابع موظفيه، والمحافظ الذى مر وأشاح بوجهه. وأضف للقائمة من شئت طالما كان فاسداً.
من هنا فالمطلوب ضمير جديد بمعايير مختلفة بسوفت وير جديد للمصريين فى كل المواقع وفوق كل شبر بأرض المحروسة. ضمير يفهم دلالات كلمة فساد فلا يقصرها على الرشوة فقط، فتمتد لإجادة العمل والالتزام بالوقت بغضّ النظر عن الراتب الذى لا يعجب الموظف ويراه غير مناسب لإمكانياته التى لا يراها غيره.
ضمير لديه جهاز كشف هوى الذات فيضرب جرس إنذار حينما يكيل المواطن بمكيالين، فيرى الفساد حينما يتعلق الموضوع بأمر يخصه وله فيه مصلحة، ولا يرى الفساد النابع من نفسه الأمّارة بالسوء حينما يتعلق الموضوع بغيره. ضمير يلسع صوته وكلماته تلك الازدواجية اللعينة.
ضمير تصنعه التربية التى نسيتها الأسر والمدارس والمراكز الرياضية والثقافية والإعلام والمساجد والكنائس على عددها، وتطالب الدولة بالقيام بها!! وكأن الدولة طائر الرخ الأسطورى وليسوا هم! ضمير يحمى الوطن والمواطن. تربية تؤمن الأسرة الصغيرة فى البيت، والكبيرة فى المجتمع، بأنها مسئولية سنحاسب عليها لا محالة من رب العباد. تربية يدرك الجميع أنها ستحمينا من الخوف على ذرية ضعيفة نخشى طوال الوقت عليهم لو تركنا الحياة..
ضمير لكل مواطن يؤكد عليه كل يوم بل كل لحظة أنه ذو وجهين دوماً فى الحياة، مسئول ومسائل. مسئول أياً كانت مهام عمله أو وظيفته.. ساع أو مدير، رئيس قسم أو مزارع، مدرس أو طالب، تاجر أو وزير، طبيب أو ممرض، حارس عقار أو مقاول، لاعب كرة أو سمسار، مذيع أو متلق... ضمير يوجد معنا أينما كنا وكيفما كنا. فكلنا مسئول ومسائل حسب موقعه كل مرة، ولذا فلنسأل ونحاسب ونراقب أنفسنا ونتق الله فى لقمة حرام تدخل جوف العيال فيشبون على الحرام ويدفعون ثمنه. فبما أن النفس أمارة بالسوء منذ خلقها ولكنها ملهمة لحساب نفسها بما يسمى الضمير، وبما أن الفساد جزء منا من قبل نزولنا الأرض بوصف الملائكة فى حديثها مع الله، فلنتعظ ليوم لا تملك فيه أى نفس لكيانها شيئاً، ولن يغنى عنها أى مبرر، وأن ليس لها إلا سعيها بما كسبته.