بقلم - نشوى الحوفى
أتفهّم علاقة الإنسان بالفساد بشكل يفوق الواقع الذى نحياه، فنحن مخلوقات موصومة بالفساد من قبل الخلق كما قالت الملائكة لله تعالى عند إخبارهم بخلق الإنسان: «قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ». ولذا اعتدت أن أنظر للفساد كفعل بشرى تاريخى يغيب حينما يسيطر القانون ويحضر كلما تقدم الاستثناء.. نعم الاستثناء الذى هو المقدمة الطبيعية للفساد فى أى موقع من الأرض.
ومن هنا توقفت عند أخبار الاتهامات التى بثها الإعلام الأمريكى عن كبير مستشارى الرئيس الأمريكى وصهره وسمسار صفقة القرن الأمريكية الإسرائيلية العربية «جاريد كوشنر» بعد إعلان البيت الأبيض تخفيض درجة التصريح الأمنى لـ«كوشنر» من «عالية السرية» إلى «سرية»، مع تقليص وصوله للمعلومات ذات الأهمية الأمنية القصوى. وقد جاء ذلك بعد تصريحات منسوبة فى الصحف الأمريكية لمستشار الأمن القومى للبيت الأبيض «هربرت ريموند ماكماستر» عن قيام كوشنر بعقد اتصالات بمسئولين أجانب دون التنسيق مع مسئولى مجلس الأمن القومى، فى ذات الوقت الذى سعى فيه المسئولون الأجانب إلى استغلال ضعف كوشنر للتعرف على أجندة التقارير اليومية فى البيت الأبيض، بالإضافة إلى ما نشرته جريدة «واشنطن بوست» عن اكتشاف المخابرات الأمريكية مناقشات مسئولين من أربع دول، هى الإمارات والصين وإسرائيل والمكسيك، حول كيفية استخدام استثمارات «جاريد» العقارية كوسيلة لاستمالته من أجل التأثير على سياسة الولايات المتحدة الرسمية، كما ذكرت الصحف!
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل كشف موقع «The Intercept» الأمريكى، منذ أيام، عن لقاء كان قد جمع والد كوشنر بوزير مالية قطر فى أبريل 2017 لبحث تمويل قطر لأحد مشاريع شركة كوشنر الأب العقارية التى يمتلك فيها كوشنر، صهر الرئيس الأمريكى، نسبة مميزة من الأسهم. وقد حدث هذا قبل اندلاع أزمة مقاطعة مصر والإمارات والسعودية والبحرين لقطر فى يونيو 2017، والتى أيّد فيها كوشنر صديقه ولىّ العهد السعودى محمد بن سلمان إلى حد تدمير مساعى وزير الخارجية «ريكس تيلرسون» لإنهاء الأزمة، وفقاً للصحف الأمريكية. وقد ذكرت شبكة «إن بى سى» الأمريكية، يوم الجمعة الماضى، أن قطر كانت بصدد تسليم السلطات الأمريكية ما اعتبرته أدلة على الجهود التى بذلتها دول الخليج بالتنسيق مع كوشنر لإلحاق الأذى بها؟!
لم أُصدم من تلك التقارير التى لم يتحدث عنها عشاق الصناعة الأمريكية التى يرونها بمثالية زائفة، فالفساد ليس بالجديد على الإدارة الأمريكية، سواء كان على مستوى داخلى كما فى «ووتر جيت» التى تجسس فيها نيكسون على منافسيه، أو «مونيكا جيت» التى تحرش فيها كلينتون بمساعدته! أو على المستوى الدولى لأمريكا كما فى فضيحة «إيران - كونترا» التى باعت فيها أمريكا نحو 2500 صاروخ لإيران عام 1983 بمبلغ 30 مليون دولار، وموّلت بثلاثة أرباع الصفقة ميليشيات الكونترا الإرهابية رغم قرار الكونجرس عام 1980 بمنع تمويلها. أى إن أمريكا باعت سلاحاً لعدو تدّعيه، وموّلت ميليشيا إرهاب محرمة! ولكن ما لفت نظرى فى تلك الفضيحة الجديدة هو كشف وجه آخر من أوجه الفساد فى بلد سيادة القانون ومدى قرب هذا الفساد من قمة صناعة القرار الأمريكى الذى يبدو تعاطيه الشاى بالياسمين، وما زلنا فى انتظار البقية.
أتمنى أن أسمع تصريحاً لعصام حجى يدين فساد البيت الأبيض الذى فضحهم!
نقلا عن الشروق المصرية