بقلم: نشوى الحوفى
حينما تتحدّث التقارير الاقتصادية الدولية عن تأثّر ما يقرب من 2.4 مليار إنسان حول العالم اقتصادياً ووظيفياً بأحداث كورونا، فحينها يجب التوقف أمام تصريحات المسئولين بالبنك الدولى، التى أعلنت تعرّض العالم لصدمة اقتصادية عاصفة هى أقوى من الكساد العالمى الذى اجتاح العالم «1929 - 1933»، بما سيؤدى إلى انكماش اقتصاديات 170 دولة.
فالأزمة التى طالت قطاع البترول مساء الاثنين الماضى، وهوت بأسعار النفط الأمريكى لما تحت الصفر بسبب زيادة المخزون لدى الدول، نتيجة تعليق كامل النشاط الاقتصادى العالمى، وتذبذب أسعار خام برنت الذى تجاوز سعره 26 دولاراً للبرميل بقليل، وإعلان المنصات الاقتصادية العالمية وجود ما يقرب من 160 مليون برميل بترول على المنصات العائمة، كل هذا يشير إلى حجم ما يواجهه العالم ككل. يكفى أن نتابع تصريحات المسئولين الاقتصاديين فى الاتحاد الأوروبى الذين أعلنوا حاجة دول أوروبا إلى مساعدات لا تقل عن 1.5 تريليون دولار لتجاوز تداعيات كورونا الاقتصادية.
ليست الأرقام فقط هى ما يستدعى التوقّف والدراسة، لكن أيضاً الوظائف التى يؤديها البشر فى قطاعات عدة فى جميع أنحاء العالم. ومنها على سبيل المثال السياحة، التى توقفت فى كل أنحاء العالم مع توقف حركة الطيران والتنقلات حتى داخل البلدان المختلفة. فرنسا واحدة من الدول المعرّضة للنزيف السياحى، فهى تعتمد على السياحة بدخل تجاوز 200 مليار دولار وأعداد فاقت قبل الأزمة 80 مليون سائح سنوياً، سويسرا التى تحتل فيها السياحة المصدر الثالث للدخل بعد صناعة الحديد والصناعات الهندسية، تونس التى أعلن وزير ماليتها للبنك الدولى عن تهديد الأزمة لـ400 ألف تونسى بفقدان وظائفهم، مصر التى تناولت تقارير البنك الدولى خسارتها لنحو 4 مليارات دولار فى إيرادات السياحة هذا العام، وخسارة الإمارات وتحديداً دبى نحو 90% من أنشطتها السياحية، ناهيك عن الركود فى قطاعات أخرى من الأعمال والاستغناء عن موظفيها.
كل هذا دفع بخبراء الاقتصاد والمحللين فى جميع أنحاء العالم إلى دراسة الحلول العملية التى يجب على الدول اللجوء إليها الآن وليس غداً. بالطبع كان منها بشكل عاجل تقديم الإعانات للمؤسسات والشركات المتضرّرة، لكن كان هناك تفكير يستبق تطورات سيناريوهات الأزمة إن طال أمدها. ويتلخص فى إعادة هيكلة النشاط الاقتصادى لدول العالم، بما يتناسب مع عدد المتعطلين من جانب، واحتياجات كل دولة من جانب آخر.
من بين تلك التقارير، كان تقرير لـ«دويتش فيله» الألمانية -حيث تعانى ألمانيا من ركود حاد فى اقتصادها جراء القرارات الحاسمة لمواجهة كورونا- وتناول التقرير فكرة دعم مسارات تدريب القطاعات المتعطلة عن العمل على مهن ومهارات جديدة. فعرض لتجربة السويد فى إعادة تأهيل مضيفى شركة «ساس» للطيران من الذين فقدوا وظائفهم للعمل فى القطاع الصحى بعد تدريبهم فى المستشفيات الجامعية لبضعة أسابيع. كما أشار إلى دراسة مرصد المستقبل الإماراتى للأبحاث والدراسات المستقبلية عن تغيير النشاط الصناعى لبعض المصانع، لإنتاج الأجهزة والمستلزمات الطبية وتحقيق الاكتفاء الذاتى منها وتصدير المتبقى، كما حدث مع مصانع «فورد وجنرال موتورز».
من هنا وجب التفكير فى بلادى وإعادة النظر إلى ما يجب علينا القيام به فى الفترة المقبلة. لقد تصدينا لحماية العمالة غير المنتظمة فى قطاعات مختلفة بدعم نقدى، لكن ماذا عن بقية القطاعات من العمالة المنتظمة التى فقدت عملها؟ مثلاً: ألم يحن الوقت للتفكير فى منظومة صناعية متكاملة حقيقية لإعادة تدوير النفايات تنتج الطاقة والمياه والمواد العضوية ومن قبلها تمنح البيئة الأمان وتمنح الوظائف لمئات أو آلاف الشباب؟ ألم يحن الوقت لدعم مشروعات الأمن الغذائى فى القطاع الخاص، وتشجيع الشباب فيها؟
مجرد طرح وتساؤلات لمن بيده القرار.