بقلم: نشوى الحوفى
ربما تظن أن الأمر لا يعنيك، أو يخص قارة وبلداً أخرى غيرك، وأن المسافة بين مصر وبين أمريكا اللاتينية بعيدة، وأنه من الرفاهية التفكير فى حرائق الأمازون، بينما لدينا فى عالمنا العربى حرائق من نوع آخر.. تلك الأفكار وغيرها ربما تطرأ على بالك عند استماعك أو قراءتك لخبر عن حرائق الأمازون فى البرازيل، ولكن الواقع غير ذلك تماماً.
فتلك الغابات التى تمتد على نطاق ثمانى دول لا البرازيل وحدها، حيث توجد فى بوليفيا وبيرو وإكوادور وكولومبيا وفنزويلا وجويانا الفرنسية أيضاً، تمثل -كما تقول التقارير- نحو 20% من رئة الأرض ومصدر الأكسجين بها، فمساحتها الضخمة جعلت منها مصدراً هاماً لهذا الغاز الغالى للبشرية، وجعلتها فى ذات الوقت موطناً لنحو 40 ألفاً من أنواع النباتات، هذا غير الحيوانات والطيور والحشرات والأسماك، بالإضافة لخمسة أنهار مائية عذبة تجرى بها، وكمية هائلة من الأمطار التى تهبط عليها كل عام. أى إن تلك الغابات جزء هام من حياة البشرية.
اشتعال الحرائق فى غابات الأمازون ليس بالأمر الجديد، ولكنه الأسوأ منذ سنوات، كما تقول التقارير العلمية عما يحدث هناك، فقد تشتعل نتيجة البرق أو بفعل خطأ بشرى أو بفعل تعمد البشر لحرق الغابات، إما لمد الطرق وإقامة تجمعات سكنية جديدة أو بفعل تدمير الغابات لزراعة المخدرات أو أى منتجات زراعية أخرى. وقد رصدت قواعد البيانات فى البرازيل، التى تعرضت لنحو 75 ألف حريق فى غابات الأمازون على مدار الشهور الثمانية الماضية، التجريف لمساحات شاسعة من أراضى تلك الغابات تحت مرأى ومسمع من الحكومة هناك، دون أن يدرك هؤلاء حقيقة الخطر على البشرية كلها، لا على البرازيل أو أمريكا اللاتينية وحدها، فوجود تلك الغابات يساعد على امتصاص كميات ضخمة من انبعاثات الكربون الناتج عن التلوث البشرى وحياة الإنسان، كما أن تلك الحرائق الضخمة ينبعث منها أطنان أخرى من غاز الكربون المتسبب فى اتساع ثقب الأوزون مع غيره من انبعاثات دمرت البيئة فى العالم كله.
الأزمة ليست فى تلك الغابات وحدها، ولكن فى طريقة تعامل الإنسان مع الحياة على سطح الكوكب الذى يضمنا، دون أن يدرك أن تدمير البيئة هو السبب فى انتشار الأمراض وتغيير ملامح المناخ وارتفاع درجة حرارة الأرض، ليزداد التصحر فى مناطق، وتغرق مناطق أخرى نتيجة ذوبان الجليد.
نعم الأزمة ليست فى حرائق غابات الأمازون وحدها ولكن فى سلوك الإنسان، خاصة فى الدول الغنية التى عرفت طريقها للصناعة والتقدم التكنولوجى وترفض فى ذات الوقت حماية البيئة ومساعدة دول العالم النامى فى تقليل انبعاثات الطاقة وتشغيل المصانع.
لقد ذكر تقرير للبنك الدولى فى العام 2018 أن سلامة البيئة وأصولها من مياه وأرض وهواء باتت معرضة للتهديد المتصاعد.
وقال التقرير نصاً: «إن ما بين 60% و70% من الأنظمة الأيكولوجية بالعالم تشهد تدهوراً بوتيرة أسرع مما تستطيع تعويضه.
وتؤدى الإدارة السيئة للبيئة والموارد الطبيعية إلى خسائر اقتصادية ضخمة، فمثلاً يخسر العالم نحو 80 مليار دولار سنوياً بسبب إساءة استخدام مصايد الأسماك فى المحيطات.
ويشكل تلوث الهواء حالياً عامل الخطر الرابع الرئيسى للوفاة المبكرة، إذ يتسبب فى وفاة واحدة من بين كل 10 وفيات على مستوى العالم وتنجم عنه خسائر ضخمة فى الرفاه والدخل».
وهو ما يعنى الخطر الذى تواجهه البشرية كلها لا الأمازون أو أمريكا الجنوبية وحدها.
ربما حان الوقت للتفكير بشكل آخر فى البيئة بمنطق المنفعة المباشرة، فجميعنا مضارون وجميعنا سيدفع الثمن.