بقلم: نشوى الحوفى
تلقيت منذ أيام اتصالاً هاتفياً من صحفية شابة بجريدة الجمهورية تجرى تحقيقاً لنشره فى ذكرى ثورة 23 يوليو المقبلة. طلبت منى الرأى فى مكاسب المرأة المحققة بعد ثورة يوليو 1952 وتأكيدها فى ثورة 30 يونيو 2013. فأجبتها بأننى لا أحب قصر التاريخ فى كلتا الثورتين على مصالح فئوية للمرأة أو الفلاحين أو العمال، أو حتى الإصلاح المجتمعى والزراعى والتعليمى والمؤسسى. لأن ما حدث فى كلتيهما كان أكبر من تلك المصالح الفئوية، وتجسد فى تحرير وطن بأكمله من احتلال سعى لسرقة هوية البلاد وأمنها واستقلال إرادتها.
كان الاحتلال الإنجليزى على بلادى منذ العام 1882 جاثماً على الأرض والأهل وكل الفرص. ولم تنجح أى قوى سياسية فى طرده أو إجلائه عن البلاد. كانت هناك محاولات لم يُكتب لها النجاح الجامع للمعنى، كان أنضجها ثورة 1919. وكانت هناك تضحيات لعظماء أفنوا عمرهم فى الدفاع عن وطن مثل عبدالله النديم ومصطفى كامل وقاسم أمين ومحمد عبده ومحمد فريد وسعد زغلول ومكرم عبيد ومصطفى النحاس وغيرهم، ولكن لم تتحرر مصر إلا على يد حركة الضباط الأحرار التى تحولت لثورة باركها الشعب لأنها جاءت من أبنائه.
لم تكن مكاسب ثورة يوليو 1952 مجرد إصلاحات فئوية للشعب، رغم انتظاره لها ومطالبته بها، ولكنها كانت مكاسب لمصر الدولة.. أرضاً وشعباً ومؤسسات. أرضاً تم جلاء المحتل عنها فى 18 يونيو 1956. وشعباً نال حريته وقدرته على الحلم والتنمية وبناء وطن كان مشروعه القومى فى العام 1951 هو مكافحة الحفاء لغالبية المصريين. ومؤسسات دولة لم تكن حاضرة بالمعنى الحقيقى، حيث إن معظم الخدمات كانت تقدم للمواطنين من باب التبرع والتطوع من الأغنياء لغير القادرين. عودوا لكتاب «مقدمات ثورة 23 يوليو» للمؤرخ عبدالرحمن الرافعى صفحة 167 واقرأوا كيف أن عجز الميزان التجارى لمصر سنة 1951 كان 39 مليون جنيه، ثم 72 مليون جنيه فى العام 1952 قبل قيام الثورة، واحسبوا قيمة العملة وقتها لتدركوا المعنى، واقرأوا فى كتابه «فى أعقاب الثورة» صفحة 278 قوله: «إن ثروة البلاد فى العام 1948 تقصر عن حاجة سكانها وإنها تعد برغم ما عرف من رخائها من البلاد الفقيرة، هذا إلى جانب أن اقتصادياتها تخضع فى كثير من مقوماتها للتبعية الأجنبية مما له دخل كبير فى فقر الأهلين. وأبرز مظهر لهذا الفقر انخفاض مستوى المعيشة بين أهلها».
أما ثورة 30 يونيو 2013 فقد كانت ثورة على محتل من نوع آخر، محتل حمل الجنسية المصرية والتفويض الأجنبى منذ نشأته وتأسيسه، وتوغل فى الأرض، وخبر العيش فى كهوف التربص لما يزيد على 80 سنة، فسكن البيوت باسم الدين، وقسّم الشعب بلسان الولاء والبراء، فانقسمت البيوت وضاعت الهوية حينما سيطرت أفكار تنظيم متطرف على العقول والأرواح. وكانت ثورة يونيو 2013 إيذاناً برفض الاحتلال الجديد بعدما رفضنا منذ 1952 شكله القديم. فثُرنا على من أراد سرقة هوية الوطن واستقلاله وأمانه دون أن ننظر إلى مكاسب فئوية رغم تحققها مرة أخرى للجميع.
بفكر ما تعلمناه من علم المنطق فإن ما ينطبق على الكل ينطبق على الجزء وليس العكس. ولذا فإن عظمة ثورتى 23 يوليو 1952 و30 يونيو 2013 هو أنهما سعيتا لإصلاح حال الكل لينصلح حال الجزء، أياً كان هذا الجزء. امرأة أو رجلاً، عاملاً أو فلاحاً أو موظفاً. ولأن آفة حارتنا الاختزال والنسيان أردت أن أذكّركم.. فكل عام وأنتم واعون لهويتكم الحامية لبلادكم.