بقلم - نشوى الحوفى
تابعت افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس الأول «السبت»، لعدد من المشروعات التنموية، التى كان فى مقدمتها محطة معالجة الصرف الصحى بالجبل الأصفر، ومشروع «المحروسة 1» بمدينة النهضة بحى السلام بمحافظة القاهرة، تمهيداً لإعلان مصر خالية من العشوائيات. أنبهر بحجم الإنجاز على مسار الحجر والإصرار على منح الإنسان فى مصر أياً كان مستواه سكناً آمناً لائقاً، وأدعو الله أن يوفق بلادى فيما سارت فى طريقه منذ خمس سنوات، حينما أعلنت أنه لا بقاء للعشوائيات على أرضها.
ولكننى توقفت عند محافظ القاهرة أثناء عرضه لعدد المناطق العشوائية بالمحافظة وتصنيفها ما بين مناطق مهددة للحياة، وأخرى عشوائية غير مخططة. كان المسئول يسرد ما يعرضه على شاشة العرض والمُعد له سلفاً، حين استوقفه الرئيس سائلاً إياه عن بعض التفاصيل، إلا أن الرجل لم يرد بشكل صحيح، لينادى الرئيس على اللواء كامل الوزير الذى سارع بطرح الإجابة المنتظرة. وواصل الرئيس حديثه للمحافظ المسئول متسائلاً: «مش حاسألك عن محافظات مصر لكن حاسألك عارف موارد محافظة القاهرة كام؟» ليصمت المسئول ولا يحرك ساكناً، وكأنه قد سُئل فى مسألة رياضية مستعصية! فتابع الرئيس تساؤلاته للمحافظ المسئول قائلاً: «طيب عارف كام كوبرى اتنفذ فى السنوات الأربع الماضية؟» ويواصل المسئول صمته الرهيب، فواصل الرئيس تساؤلاته: «هل تعلم موارد صندوق تطوير العشوائيات؟» فصمت المحافظ وكأن على رأسه الطير! بينما استغرقت فى تفكيرى فى هذا المشهد المضحك، ولكنه ضحك كالبكاء!
فالمسئول الفاضل فى منصب محافظ للقاهرة بكل ميراثها الحضارى والسكانى والجغرافى والتاريخى، ولكنه لزم الصمت وهو ما أثار حيرتى وغيظى وحزنى رغم أدب الرئيس فى الحوار معه، مؤكداً أنه لا يقصد له الإهانة أو الإحراج، ولكنه يسأل ما سأل ليكون كل مسئول على علم بما لديه من إمكانيات ليستطيع توضيح الصورة للمواطنين وشرح أبعاد التكلفة التى تقدر بمليارات، وأهمية التطوير لجميع المناطق العشوائية. ويردد الرئيس أنه يعرف كل مليم فى مصر ومصدره واحتياجات الإنفاق ووسائل تدبير ما نحتاج له. ولكننى لم أتوقف عند نقاط الشرح والتوضيح للمواطنين، فالأمر أبعد من ذلك.
فالموضوع جد بسيط، ولكنه يحمل العار لأى مسئول فى أى موقع فى الحياة أن يجلس على مقعد مسئولية دون الإحاطة بكل تفاصيل هذا الموقع وأبعاده والقضايا المتصلة به فى عالم تخطى مراحل العلم بكل الأمور إلى التخصص الدقيق فى كل مهمة. ثم أنَّى لهذا المسئول الفاضل أن يعرف ما عليه التخطيط له ومواعيد تسليمه واحتياجات مهمته ومصادر تمويلها وما ينقصه منها، إن لم يحسب موارده ويعلمها ويدرك ويحصى ما تم إنجازه من وزارات وهيئات أخرى من حوله؟
صورة مبكية لنماذج تتولى مواقع المسئولية بينما يرى العلم الحديث فى الإدارة أنهم ليسوا فقط دون المسئولية، ولكنهم لا يصلحون لتبوُّؤ أى قيادة. الصورة مبكية لأنها تضرب ناقوس الخطر فى استمرار أسلوب اختيار المسئولين القائم على أهل الثقة واللى نعرفه أحسن من اللى ما نعرفوش. الصورة مبكية وأنا قد انتهيت لتوّى من قراءة كتاب ثروات المدن الذى يتحدث عن نماذج من مدن العالم، وكيف نجح قادتها فى اكتشاف ثرواتها وفرصها المخفية وإعادة استغلال المهمل فيها، لتصبح فى مقدمة المدن القادرة على كسب الثروة ثقافياً وفنياً وجغرافياً ومعمارياً، شريطة أن يكونوا قادة بحق. الصورة مبكية، فمن رشح المحافظ لهذا المنصب بعيد عن العيون بينما هو من يجب محاسبته على هذا الاختيار غير الوحيد للأسف.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع