بقلم: نشوى الحوفى
دعنى أسألك وأرجوك أن تجيبنى دون تحيز أو غضب: ماذا يحدث لو أننا لم نتخذ خطوات الإصلاح للاقتصاد المصرى، وفى مقدمتها إلغاء الدعم على الطاقة وتحرير سعر الصرف؟
أولاً، لا بد من الإقرار أن غالبيتنا قد دفع كُلفة هذا الإصلاح، وربما تضرر وعانى منه بدرجات متفاوتة. ولكن يبقى للأرقام سيادة الفهم فى عالم الاقتصاد الذى لا يرى الفرد بقدر ما يرى المجموع، ولا يعترف بالتأثير الفردى بل بالنتيجة الجمعية. ولذا فرغم وجع الإصلاح فإن إلغاء دعم الطاقة كان أمراً حتمياً لا بديل له إلا المزيد من الاستدانة.
كانت البداية فى يونيو 2014 بعد أيام من تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى مهامه، فتنبأت تقارير الإعلام الدولية باشتعال فتيل غضب المصريين كما حدث فى اليمن وقتها، ولكننا تفهّمنا الخطوة وأهميتها، كما قدّرنا حديث الرئيس عن إلغاء الدعم على الطاقة على خمس سنوات لإغلاق أحد أكثر ملفات إهدار الموارد فى مصر. كان لشعبية الرئيس الطاغية وقتها بعد القضاء على الإخوان وإرهابهم دور فى إقناع الناس بما تم. وكانت مصر فى حالة اقتصادية مرعبة، تمثلت ملامحها فى انهيار البنية التحتية لمحطات الكهرباء وعجز عن تحقيق الكفاية للمواطن والمستثمر، احتياطى نقدى لا يتجاوز 16 مليار دولار، منها وديعة قطر، حرب على الإرهاب فى كافة ربوع مصر وعلى جميع حدودها، بطالة تجاوزت 13%، عجز بالموازنة 12.9%، وديون مستحقة لشركات البترول الدولية تجاوزت 6 مليارات دولار، وانهيار السياحة وإصرار غربى على تركيع البلاد لصالحهم.
وكان علينا الاختيار بين السير على خطى ما سبق من أنظمة حكم عبر أكثر من 50 عاماً ارتأت غلق ملف دعم الطاقة، أو إعلان معالجة تشوهاته. وكان انحياز القيادة السياسية للخيار الثانى، ولو كان الثمن شعبية الرئيس.
كانت تكلفة دعم الطاقة -مواد بترولية وكهرباء- فى تلك السنة 161.7 مليار دولار، تتحملها ميزانية الدولة لصالح مفهوم زائف عن حماية محدودى ومعدومى الدخل، وهو محض افتراء، فرخص أسعار الطاقة شجع على سرقتها وتهريبها وعدم دفع قيمتها وإهدارها، حتى الاستثمارات الضخمة فى العمالة، والمستهدفة من عرض دعم الطاقة، لم تتحقق على الأرض.
نعم، كان علينا المواجهة لواقع مرير عجز من سبقنا عن مواجهته منذ نهاية الستينات، ولذا كان الإصرار على بقية الخطوات فى نوفمبر 2016، ويوليو 2017، ويونيو 2018، ويوليو 2019، لنصل إلى مرحلة بيع مواد الطاقة بسعر تكلفة إنتاجها لا بسعرها العالمى.
يردد البعض -جهلاً أو تغييباً- أن المواطن لم يستفد مما تم، وتلك كذبة أو خدعة أخرى، فبند الأجور ارتفع على مدار السنوات الخمس الماضية من 198.4 مليار جنيه فى 2014 -2015 إلى 301 مليار جنيه 2019-2020. كما أن بند دعم السلع التموينية زاد من 39.4 مليار جنيه فى العام 2014-2015 إلى 89 مليار جنيه 2019-2020، كما أن بند المنح والمزايا الاجتماعية قد زاد من 198.6 مليار جنيه 2014-2015 إلى 327.7 مليار جنيه 2019-2020. ليس هذا فقط ولكننا نجحنا فى سد عجز الطاقة بتأسيس بنية تحتية فائقة الجودة فى قطاع الكهرباء واستكشافات البترول مع سداد غالبية ديون الشركات العالمية لدينا، وتم توجيه ما توفر من دعم لمناحى الإسكان الاجتماعى وعلاج فيروس «سى»، وإقامة مشروعات لاستيعاب البطالة وفرض الأمن فى ربوع مصر لحماية أهلها وتنمية استثمار وسياحة بها، كما انخفض التضخم من 35% إلى 13.5%. والأهم تعلمنا معنى ترشيد الاستهلاك.
نعم، عانينا وما زلنا، ولا ينكر ذلك واعٍ، ولكن أصلحنا وتجاوزنا خطوط الأزمة، ونحتاج للمزيد من الخطوات الجادة والصبورة التى تمنحنا النجاة.