بقلم: نشوى الحوفى
منذ ستينات القرن الماضى، حيث كان تعدادنا نحو 29 مليون نسمة، ومصر تدرك خطورة الزيادة السكانية غير المحسوبة من قبَل المواطن بمبررات عدة، وغير المصحوبة بإجراءات عقابية من قبَل الدولة تحد من تلك الزيادة الملتهمة لأى تنمية. فأعلنا خططاً وأنشأنا مجالس ولجاناً، ثم وزارات، ولكنها لم تحقق الهدف بتقليل نسب الزيادة المرتفعة. حتى كان العام 2018، حينما صارحت الدولة مواطنيها بأنهم بحاجة لأضعاف نسب النمو لكى تواجه معدل النمو السكانى الذى بلغ 2.6، وهو ما فاق النمو السكانى للصين البالغ 0.6 فى العام 2017.
كان اللافت للنظر فى زيادة معدلات الإنجاب فى مصر هو ارتباطها بالمناطق الأكثر فقراً فى مصر فى صعيد الوادى، لقيام الأهالى بتزويج الفتيات فى سن مبكرة للتخلص من عبئهن، وهو ما يعنى زيادة سنوات الخصوبة لديهن بغضّ النظر عن القدرة الصحية أو المادية. ولذا يبقى الوعى هو سلاح الفهم فى مجتمع زاد عدد سكانه نحو 2.6 مليون فرد من يوليو 2018 إلى يوليو 2019!!
وهو ما أكده تقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء الصادر يوم 22 يوليو الحالى ببلوغ عدد السكان داخل مصر 99 مليون نسمة. ليس فقط الرقم السكانى هو ما يستحق التوقف أمامه، ولكن أيضاً مفردات ذلك الرقم، فلو استمررنا على هذا الحال فستكون الزيادة المتوقعة خلال 10 سنوات هى 26 مليون نسمة، أى أننا سنصبح 126 مليوناً بحلول عام 2030!
من بين تفاصيل التقرير ما ذُكر عن ارتباط الفقر بزيادة عدد أفراد الأسرة. فنحو 75% من الأسر التى يزيد عدد سكانها على 10 أفراد تعانى الفقر، بينما 6% فقط من الأسر التى يتراوح أفرادها بين 3-4 أفراد تعانى الفقر. فلماذا نورث الفقر لأبنائنا؟
هناك أيضاً الرقم الخاص بعلاقة الزيادة بنسب البطالة التى رغم انخفاضها من 12.8% فى 2016 إلى 8.3% فى الربع الأول من 2019، فإن ما نقيمه من مشروعات لن يستوعب الزيادة السكانية. كذلك مهما زاد الناتج القومى فإنه من الصعب أن يشعر به المواطن فى ظل زيادة يتوزع عليها ذلك الناتج. هناك أيضاً معدل الإعالة البالغ نحو 61%، أى أن كل 100 فرد فى مصر يعيلون نحو 60 فرداً. وهذا يعود إلى أن نحو 35% من سكان مصر فى الفئة العمرية من يوم وحتى 15 سنة، أضف لهم النساء والشيوخ غير القادرين على إعالة أنفسهم. حتى الخدمات العامة كالصحة والتعليم تعانى من تلك الزيادة، حيث تحتاج تلك الخدمات لصيانة وتطوير من جانب، وزيادة وتوسعات من جانب آخر.
نعم، من حق كل منا الإنجاب، فالبنون تلوا المال فى زينة الحياة فى قول ربى، ولكن الحكمة جعلت المال سابقاً عليهم حتى لا يتحولوا لنقمة. كما أن حديث النبى الخاص بالتناسل لا يرتبط ومنطق حرص الهادى على حسن التنشئة، إذ كيف يتباهى بنا على فقرنا ومرضنا وجهلنا؟ التفاخر يأتى بالمكانة لا بالعدد غير الكفء. ومن هنا وجب علينا كمواطنين حماية المستقبل لأغلى ما نملك لأن لا أحد يريد لبنيه أن يحيوا فقراً أو جهلاً أو مرضاً.
كما يجب على الدولة معالجة أخطاء ما مضى فى أسلوب التعامل مع تلك القضية الشائكة، سواء بسن قوانين تعفيها من تقديم الخدمات المجانية لمن يزيد على طفلين، أو بتوفير وسائل تنظيم الأسرة بالمجان فى كل ربوعها، أو بمواصلة حملاتها للتوعية دون انقطاع وتقييم ما تم فيها كل ستة أشهر. مع ضرورة الاستمرار فى التوسع الاستثمارى الأفقى فى كل محافظات مصر لإعادة توزيع السكان فى ربوعها.