بقلم: نشوى الحوفى
قادتنى الصدفة بلقاء أحد خبراء الإنترنت وعالم التواصل الاجتماعى. أعترف دوماً أننى لست من خبراء هذين العالمين، بحكم العمر من جانب لأننى من الجيل الذى بدأت علاقته بالكمبيوتر للعمل عليه منذ عام 2003 على عكس الجيل الحالى المولود فى ظلال التكنولوجيا. وبحكم الاهتمامات من جانب آخر التى تجعل القراءة الورقية والتواصل البشرى المباشر على قائمة الأولويات. ولكن هالنى ما سمعت منه وشعرت بالرعب وهو يشرح لى بعض ملامح هذا العالم الذى يعد بكل ما تعنيه الكلمة وسيلة سيطرة وتجسس وامتلاك للبنى آدم.
قلت: لماذا العجز عن إغلاق صفحات أو حسابات على مواقع التواصل فيها تحريض على إرهاب أو تطرف أو ابتذال أخلاقى؟
أجابنى: لأننا لسنا المتحكمين فى الإنشاء أو الغلق. ولا يمكن إلغاء أى صفحة أو حساب إلا من القائمين على تلك الشركات فى الخارج؛ هم يملكون السيرفرات فى بلادهم. الصين تحكمت فى الأمر منذ البداية، فحينما طلبت الصين من «فيس بوك» بأن يكون السيرفر فى الصين للسماح للصينيين بإنشاء مواقعهم عليه مع الاحتفاظ بقدرتها على الغلق أو الإلغاء لأى شىء لا يتوافق وفكر الدولة، رفض «فيس بوك» ورفضت الصين وأنشأت نظامها الخاص واعتاد الصينيون الأمر. اليوم لديك فى مصر ما لا يقل عن 45 مليون حساب على «فيس بوك» فقط، وهذا عالم آخر فيه المعلن والمشترى والمتواصل مع عائلته وأصدقائه وأصحاب المصالح السياسية والاجتماعية والدينية، وبالتالى لا يمكنك التحكم فيه للأسف!
سألت: وما السبيل لحماية الشباب والمواطن البسيط مثلى؟
أجاب: للأسف الأمر غاية فى الصعوبة. لو فكرتِ لحظة ستكتشفين أن الغرب لم يمنحنا أى اختراع بتفاصيله فى ذات وقت إنتاجه له غير تكنولوجيا الاتصالات. منحها لنا بلا قيود فصرنا كمن يقود سيارة فخمة جداً وهو لا يعرف كيف يقودها ولا يدرك إمكانياتها ولا خطورة تلك الإمكانيات إن جهل بها. هل تعلمين مثلاً أن الصورة التى تلتقطينها من على موبايلك وترفعينها على وسائل التواصل الاجتماعى تحمل الكثير من المعلومات عن موقع التقاط الصورة ونوع الموبايل والنظام الخاص به، ولذلك فإن تحدى العشر سنين الذى انطلق كهاشتاج على «فيس بوك» منذ فترة على سبيل المثال كان كارثة لأنه منح المسيطرين على هذا الموقع قاعدة بيانات مرعبة من كل أنحاء العالم مع القدرة على تحليلها، والناس لا تعرف أن الحكومة الأمريكية شريكة فى هذه الشركة بنسبة تقترب من النصف!! هل تعلمين أن أجهزة السمارت فون سهلة التتبع بأجهزة تباع علناً فى الأسواق ببضعة دولارات؟ هل تعلمين أن بعضاً منا حين يشترى تلك الأجهزة يترك للبائع أو لبعض الناس الغريبة عنه عملية ضبط الجهاز وإنشاء بريد إلكترونى بكلمات السر التى يضعها هذا الشخص الغريب وهذا يعنى امتلاكه لأسرار حياتك؟ يا سيدتى الجهل بالتكنولوجيا منح الآخر السيطرة علينا بقوة أياً كان هذا الآخر، شخص له ميول سياسية أو مصالح اقتصادية أو حتى شخص منحرف. هل قرأت عن خبر القبض على شاب لم يتجاوز عمره 25 سنة من قبل مباحث الإنترنت فى مصر منذ فترة بعد نجاحه فى اختراق 27 ألف جهاز لاب توب لأشخاص لا يعرفهم فبات يراهم فى حياتهم الخاصة والعامة ويعرف أسرارهم جميعاً ويبتزهم؟! يظن البعض حين يتعامل مع جهازه الخاص أنه بات منعزلاً فى غرفة مغلقة عليه، إلا أنها غرف من زجاج شفاف يمنح آخرين فرصة متابعته!
سألت: وما الحل؟ كيف نحمى أنفسنا من هذا الاختراق المرعب المجهول المصدر؟
أجاب: الوعى والعلم والمعرفة والثقافة.. لا لوقف الاختراق ولكن لفهم أبعاد التكنولوجيا وثمن التواصل.
تركته وأنا أفكر فى حديثه مرددة.. «لقد وقعنا فى الفخ!».