بقلم: نشوى الحوفى
أتابع كغيرى على مواقع التواصل الاجتماعى تعبير البشر عن أحوال حياتهم اليومية بالصورة والكلمة، وأنا أتساءل هل بتنا نفتقد الحنان والرعاية والاهتمام فى حياتنا الحقيقية فأصبحنا نبحث عنها فى العالم الافتراضى؟ هل عدمنا الفضفضة مع المقربين منا لنبث لهم مشاعرنا ومشاكلنا وإحباطات نفوسنا وألمنا فذهبنا نبحث عنها لدى من لا نعرفهم؟ هل صارت كلمات المواساة أو مشاركة الفرحة عزيزة فى محيطنا إلى حد طلبها ممن لا نعرفهم فى الغالب؟ أم أننا بتنا فى عزلة عمن حولنا فى حياتنا الطبيعية إلى حد لم نعد فيه نشعر بهم ليشاركونا الآلام والأفراح والنصيحة والنقاش والرأى؟
تلك الأسئلة وغيرها تتردد كل يوم فى نفسى وأنا أشاهد صوراً للمتابعين على الفيس بوك فى أوضاع مرضية ربما تكون معتادة فى حياتنا، فقد بات من المعتاد أن أطالع كل يوم صورة ليد صاحب الحساب على الفيس بوك وهى فى الجبس مصحوبة بعبارة من نوعية: «الحمد لله وأنا بالعب كورة مع ابنى اتكعبلت ووقعت واتجبست.. دعواتكم»، أو صورة لصاحبة الحساب وقد لُسعت يدها من سخونة صينية بطاطس كانت تخرجها من الفرن مصحوبة بعبارة من عينة: «قدر ولطف اتلسعت وأنا باسحب صينية البطاطس من الفرن اتفضلوا معانا»! أو تقرأ منشوراً آخر لصاحب حساب يتحدث فيه عن وجوده فى المستشفى فى صحبة أمه أو زوجته أو ابنه أو ابنته وهو يصف ما تمر بها الحالة، طالباً من الناس الدعوات! أو ترى صورة لسيارة مهشمة أو فى مشهد حادثة على الطريق وقد كتب صاحبها: «نجوت من الموت بأعجوبة»!
بت أتابع تلك التعليقات التى تتزايد نسب نشرها على مواقع المفترض أنها وُجدت للتواصل مع من لا نستطيع الوصول له فى حياتنا الحقيقية من أقارب أو أصدقاء، أو لنشر أفكار وحوارات فى قضايا تخص مجموعات البشر، ولكن ما أراه فى تزايد هو فقر فى جين الحنية واتجاه لتسول المشاعر واستدرار ما فقدناه من تواصل حقيقى فى حياة نعيشها.
ربما أكون مبالغة فى تقديرى ولكن ما أقرأه وأراه يؤكد لى أننا نبحث عن حنان غائب وكلمة طيبة واهتمام يمنحنا السكينة، ولو لم يكن الأمر كذلك ففسروا لى على سبيل المثال كيف أكون فى حادثة كادت تودى بحياتى وأركز فى التقاط صورة للسيارة المهشمة لأنشرها، بدلاً من الرجوع إلى أسرة وصديق وزوج أو زوجة لاستعادة السكينة المنشودة بحضن حقيقى وكلمة طيبة أسمع متلقيها بنفسى وأرى تعاطفه بعينى؟ أو فسروا لى كيف يكون أحد المقربين لى فى المستشفى للعلاج وأجد فى ذاتى الرغبة للكتابة على الفيس بوك أو التقاط صورة له ونشرها وهو فى مرضه، بدلاً من التضرع لله ودعوته لشفائه، أو الالتفاف مع من يهمهم أمره من بقية الأسرة لمؤازرة بعضنا البعض؟
ومن هنا وجب التوقف الذى أرجوه منكم مع بعضنا لبعضنا فى حياتنا التى نحياها بين أسرة ومع أزواج وزوجات وأبناء وجيران وأهل وأصدقاء وزملاء يحيطون بنا، ويمكننا أن نتبادل معهم تلك المشاعر وعيوننا فى أعينهم، أرجوكم لا تضيعوا شخصيات حقيقية تحيط بكم فى الحياة وتتركوا الأيام تنفرط من أيديكم وأنتم تبحثون عمن يمنحكم الحب والكلمة الحلوة، بينما تفرطون فيمن يمكنه إهداؤها لكم وهو بجواركم وبين أيديكم، امنحوا الحب والاهتمام والرعاية لمن يحيطون بكم لتجدوه حينما تطلبونه أو بدون حتى أن تطلبوه، عودوا لأحضان الحبايب قبل أن تفقدوها لتفيقوا على أوهام التواصل الفضائى الذى تتسولون منه إعجاباً ومشاركة وكلمة تكتب لكم دون أن تروا أو تسمعوا صاحبها.