بقلم: نشوى الحوفى
سؤال تبادر للذهن وأنا أتابع خطاب «أردوغان» لعدد من أعضاء مجلس نوابه أمس الأول (السبت). كان الرجل مثيراً للشفقة والغيظ معاً. تفضحه لغة جسده المتوترة وكذب سرده. يتحدث عن تركيا القوية المسالمة التى يقودها! وحالة الاقتصاد المنتعش ونسب النمو المرتفعة لديه، بينما الليرة تنهار! وأوروبا التى خذلته ولم تدفع ثمن إيوائه اللاجئين رغم ما حصل عليه من مليارات خمسة! وإصراره على مواجهة سوريا التى تسعى لاحتلال تركيا، بينما هو من يحتل شمالها! يعلن عن تدمير سبعة مواقع للسلاح الكيماوى فى سوريا دون ذرة دخان! والإرهاب الذى يحاربه لينعم وشعبه بالأمان، بينما هو الممول والآوى له! وروسيا التى عليها التراجع فى سوريا، لتمنحه فرصة تأديب النظام السورى!
أشباه «أردوغان» يشرحهم التاريخ حين يصل كل مخبول بدمار أو بأوهام نفوذ إلى قمة الهذيان، فيعكس الحقائق ويصيغها وفقاً لما تراه تهيؤاته أو وفقاً لما يقتضيه الكذب على شعب مكلوم سار غالبيته خلف أطروحات الموهوم جبراً أو اختياراً.
بينما الواقع يحكى عكس ما يتحدث عنه الرئيس التركى وفقاً للتقارير الدولية التى تصف حالة الاقتصاد بالهشّة. الاتحاد الأوروبى فرض العقوبات على اثنين من رجال الأعمال الأتراك لتنقيبهم عن البترول فى شرق المتوسط، اليونان أوقف إصدار بيان عن «الناتو» لصالح تركيا فى إدلب، واشنطن تلوح له بين الحين والآخر بالمدد والمساعدة لكنها لا تتحرك إلا وفقاً لمصالحها فى سوريا واتفاقاتها مع روسيا. ربما تتبع معه السيناريو العراقى ذاته حينما خدعت «صدام» بالكويت لتحتل الخليج. مجرد دمية جديدة فى يد واشنطن لتنفيذ مصالحها. موسكو لا تحمى مصالحها الاستراتيجية فى سوريا وحسب، لكنها تحمى حدودها من تمدّد إرهاب سبق لتركيا أن رعته فى الشيشان عام 1996، حينما سعى «الناتو» لدعم انفصال الشيشان وحربها مع موسكو المفكّكة مصدّرة للعالم الصراع الإسلامى الشيوعى زوراً، بينما كان الصراع على النفط والموقع. و«أردوغان» يعلم أنه لا يستطيع رفع العين فى روسيا التى تقصف قواته وميليشياته مع النظام السورى فى إدلب. روسيا تمتلك أدوات الضغط ببنائها للمحطة النووية لتوليد الكهرباء فى تركيا وصفقة صواريخ «إس 400». وأنقرة تدرك حجم النفوذ الروسى فى الاقتصاد التركى بالسياحة واستيراد الخضراوات والفاكهة.
التورط التركى ليس فقط فى الشمال السورى، لكنه فى ليبيا التى انجر لمغامرة فيها بإشارة إغواء أمريكية، وهو يظن أنه يعيد فيها إمبراطورية أسلافه. الرهان التركى فى ليبيا لا يتعرّض فقط للخسارة برصد سفن سلاحه وتدميرها أو إسقاط طائراته المسيرة أو فشله فى إقامة دفاعاته الصاروخية لحماية حكومة «السراج»، أو مقتل جنوده، الرهان التركى فى ليبيا مهدّد بخلافات أعضاء حكومة «السراج»، حسب المتداول من الأخبار. فوفقاً لموقع «إندبندنت» العربية يوم السبت الماضى فقد احتدم الخلاف بين رئيس الحكومة «السراج» ووزير داخليته فتحى باشا آغا، وقال نص الخبر: «وصف آغا المجموعات المسلحة المقربة من السراج بـ«الميليشيات الخارجة عن القانون»، متهماً ميليشيات النواصى التى تقدم الحماية الشخصية للسراج فى مقره المؤقت فى قاعدة أبوستة البحرية بالاعتداء على وزير المالية و«وضع رصاصة فى يده»، بعد اقتحام مكتبه، لإجباره على توقيع مستندات اعتمادية بملايين الدولارات».
هكذا إذاً بات حال «أردوغان»، الذى يواصل الغوص فى وحل سياساته دون القدرة على إيجاد صديق بحق يمد له يد العون فى تلك الأزمة، فقد محيطه الإقليمى وهو يظن أنه يتمدّد استعداداً لإعلان خلافة، وبات فى نظر حلفه العسكرى مقامراً أحمق لا يمكن أن يأمنوا جانبه.
تساءلت ماذا لو كنت مكان «أردوغان»؟ فوجدت أنه لا يملك سوى مواصلة عدوانه، فلو تراجع قيد أنملة لأكله الداخل قبل الخارج.