بقلم - نشوى الحوفى
رفعوا قناع الحياء الذى لطالما ردد عبارات من عيّنة الشراكة الاستراتيجية وعلاقات الصداقة، وبدأوا فى التعامل مع من نفذ خططهم بماله ويديه بفجاجة وإهانة إمعاناً فى الإذلال. فمن فرّط لم يحفظ درس الثور الأبيض، ومن فرّط لم يدرك -رغم كل صيحات التحذير- أن الراقد على سطح الماء ليس بقطعة خشب طافية، ولكنه التمساح المنتظر لالتهام الفريسة.
هكذا تقرأ تصريحات الرئيس الأمريكى فى نسخته اليمينية «ترامب»، حين أعلن مؤخراً أن على السعودية أن تدفع ثمن حمايتها وإلا تعرضت طائراتها لهجوم أو اختفى العرش وضاع أمان أسرة آل سعود! مندوب «الإيباك» زادت شراهته، ولم يكتفِ بمبلغ 396 مليار دولار تعاقد عليها أثناء حضوره مؤتمر الرياض فى 2017. لم تعد تغنيه أذون الخزانة السعودية المستثمرة فى بلاده وتقترب من تريليون دولار. لم يعد يملأ عينيه البترول المسيطر على التنقيب عنه فى المملكة منذ العام 1945 عبر شركة «أرامكو»، ولا القواعد العسكرية لبلاده فى المملكة. أمريكا فى نسختها اليمينية أظهرت وجه مصاص الدماء الذى لا تعنيه حقوق الإنسان، بل يتحدث عن إتاوة الحماية إن أرادوها!
صدق «ترامب» فى تصريحاته التى طالت اليابان وكوريا الجنوبية المحتلتين من أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية تحت مسميات الدفاع المشترك، بينما الهدف مواجهة التمدد الصينى والروسى. ولذا دعونا نفنط تصريحات «ترامب» التى حملت أكثر من ملف.
أولاً، ربما كان هذا الكلام أول تصريح رسمى أمريكى علنى يربط ويساوى بين السعودية ودول الخليج القابعة تحت السيطرة الأمريكية، وبين دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية التى يظن البعض استقلالهما عن القرار الأمريكى. وهو حديث ينفيه حجم القوات الأمريكية فى كلتا الدولتين، فحجم القوات الأمريكية فى اليابان يقدر بنحو 39 ألف عسكرى أمريكى موزعين على 112 قاعدة عسكرية أمريكية غالبيتها فى جزيرة أكيناوا، بينما يوجد الأسطول السابع الأمريكى فى البحر الأصفر. أما كوريا الجنوبية فبها نحو 34 ألف عسكرى أمريكى، ناهيك عن أربعة آلاف آخرين فى جزيرة «جوام» التى يصفونها بأنها كحاملة طيران أمريكية. وبالطبع تدفع كل من الدولتين نظير تلك الحماية.
أما السعودية فهى فى رباط موقّع باتفاقية رسمية مع الولايات المتحدة منذ فبراير 1945، أى قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية ببضعة أشهر، حينما وقّع الرئيس الأمريكى روزفلت مع الملك عبدالعزيز آل سعود اتفاق «كوينسى» مخرجاً به البريطانيين من حسابات المنطقة. ونص الاتفاق على ضمان أمريكا أمن واستقرار المملكة مقابل التزام المملكة بتدفق البترول السعودى على أمريكا، واحتكار أمريكا التنقيب عن البترول السعودى لمدة 60 سنة، واستثمار عائد بيع البترول فى الولايات المتحدة! وقد تم تجديد الاتفاق عند نهايته فى العام 2005 لمدة 60 عاماً أخرى! إذاً السعودية تدفع باتفاق مسبق، و«ترامب» يعلم، ولكنه تعمّد الإهانة أمام العالم بالتهديد بغياب الأمن حال عدم الالتزام بالدفع. ولكن إذا كانت السعودية تدفع اتقاءً لمصير مثل مصير الملك فيصل المُغتال فى قصره فى مارس 1975، بعد رفضه توقيع عقود استثمار بعشرين مليار دولار فى أمريكا، فلماذا كان التهديد الأمريكى، وماذا يطلب الأمريكان مجدداً من المملكة؟
أدرك أن من باع مقدماً ونفذ سيناريوهات الدمار لن يستطيع الصمود أمام المزيد من الطلبات، ولذا جاءت تصريحات ولى العهد السعودى محمد بن سالمان لوكالة «بلومبرج» مجرد ذر للرماد وحفظ ماء الوجه. فهل حان وقت الحساب، أم أن التهديد ينطوى على مطالب جديدة لم تعلن بعد؟
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع