بقلم: نشوى الحوفى
عاد فكر اليمين المتطرف المتصاعد فى مناطق عدة من العالم، فى مقدمتها أوروبا، للسيطرة على الأخبار بعد ما شهدته مدينة هاناو بولاية هسن الألمانية يوم 19 فبراير الجارى، فالمدينة التى اشتهرت بكونها مسقط رأس الأخوين «جريم» مبدعَى أشهر قصص الأطفال، مثل سندريلا وسنو وايت والأقزام السبعة والأميرة والضفدع، عادت لتكون فى دائرة الضوء بإقدام يمينى متطرف على قتل تسعة أفراد غالبيتهم من المسلمين قبل العثور عليه مقتولاً فى شقته ومعه جثة والدته!
السلطات الأمنية فى ولاية هسن أعلنت، فى اليوم التالى، العثور على مقطع فيديو وخطاب اعتراف من المشتبه فيه بارتكاب جريمتيه، ولا يزال العمل على تلك الأدلة جارياً لفهم أبعاد الجريمة التى هزت ألمانيا من جديد وأيقظتها على أزمة اليمين المتطرف الذى تسعى لمحاربته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
فألمانيا التى دفعت ثمن صعود اليمين المتطرف للحكم فى ثلاثينات القرن الماضى وقيادة هتلر للحرب العالمية الثانية التى قُتل فيها ما يزيد على 20 مليون نسمة فى كل العالم، بالإضافة إلى الدمار والتقسيم الذى تعرضت له، لم تكتفِ بتشريع العديد من القوانين الصارمة المجرّمة للفكر اليمينى، ولكنها سعت إلى التأكيد، طيلة السنوات الماضية، على تبنّيها لسياسات التعايش الاجتماعى وقبول الآخر أياً كانت هويته أو جذوره أو عقيدته. إلا أن هذا لم يمنع الفكر اليمينى من البقاء فى الأجواء الألمانية، لتتبدى ملامحه فى حوادث متفرقة بين الحين والآخر، ولعل أبرزها للذاكرة العربية حادثة مقتل الصيدلانية المصرية مروة الشربينى على يد المتطرف أليكس فينز فى العام 2009 بولاية دريسدن الألمانية.
ليس هذا وحسب، فلم تقتصر ملامح اليمين المتطرف فى ألمانيا على عدد من الحوادث المتكررة بين الحين والآخر، ولكنها امتدت حينما حصل حزب البديل اليمينى المتطرف على 13% من أصوات الناخبين فى الانتخابات البرلمانية فى العام 2017. وهو ما دفع بالرئيس الألمانى للتصريح فى خطابه السياسى وقتها بتخوفه من توغل اليمين المتطرف وزيادة المؤمنين بأفكاره الرافضة للمسلمين واليهود واللاجئين والاتحاد الأوروبى وزيادة الفجوة فى المجتمع الألمانى، بل وصل الأمر إلى إعلان الأمن الألمانى أن اليمين المتطرف لا يقل خطراً عن أفكار القادمين من «داعش»!
ربما العبارة الأخيرة هى ما يعنينى وأتمسك بها فى تحليل الأمور منذ عقد من الزمان أرى فيه تصاعد التطرف بشقيه اليمينى والتكفيرى، فكلاهما وجهان لعملة واحدة رديئة تتخذ من الدين ستاراً وعباءة لها، فالأول يرفض المسلمين واليهود، والثانى يرفض المسيحيين واليهود! ليدعى كلاهما حرصه على العقيدة التى ينتمى لها وأنه خير من يمثلها! بينما هو أكثر من أساء لها وخلق التربة لكل موبقات البشر من قتل وتجارة سلاح وتغييب عقول وزيادة لاجئين وتدمير دول بأكملها لا مدن وحسب. وتلك هى الحقيقة التى نعيشها وانتظر مزيداً من الدمار باسمها فى كل العالم، ولا يدفع ثمنها سوى الأبرياء من الضحايا، بينما الساسة غارقون فى مساومات المصالح فى كواليس اللقاءات الدولية، دون أن يمتلك أحد الشجاعة لإعلان ومواجهة ما يحدث، فتدعى الدول فتح أبوابها للاجئين دُمرت بلدانهم بسبب سياسات احتضان التطرف وتمويله أو غض الطرف عنه بشقيه التكفيرى خارج الحدود واليمينى داخل الحدود، لنعيش فوضى التوحش الناتجة عن دعم هذا التطرف المفروض علينا يوماً تلو الآخر.
ربما لا نملك وقف تآمر العالم على بعضه البعض، وربما لا نستطيع حماية الأبرياء فى كل بقاع الدنيا، ولكننا نملك تربية أبنائنا على الفهم الصحيح للعقيدة الدينية والإيمان المتوازن للإنسانية، عبر ثقافة وإعلام وتعليم وخطاب دينى يدرك تلك المعانى.