بقلم: نشوى الحوفى
«اختلف معه سياسياً ما شئت، حاكمه على فترة حكمه التى انتهت بثورة -يراها البعض مؤامرة- أو بجزاء عادل... كما تحب، ولكن لا تنسَ أن التاريخ لا يسجل أحداثه بشكل انتقائى متحيز، بل يسرد فى صفحات أيامه التى يسجلها يوماً بيوم وساعة بساعة وموقفاً بموقف، بطولات وهزائم، إخفاقات ونجاحات، خيراً وشراً… فالتاريخ يعلم أنه يوثق مسار بشرية لها ما لها وعليها ما عليها... ومن هنا كان قرارنا بنشر مذكرات اللواء طيار محمد حسنى مبارك، التى يوثق من خلالها حقيقة ما تعرضت له القوات الجوية المصرية فى نكسة يونيو عام 1967، وكيف أعادت بناء نفسها لتكون رأس الحربة فى نصر السادس من أكتوبر بعد ذلك بسبع سنوات فى عام 1973».
هكذا كانت كلمات كتبتها على غلاف كتاب «كلمة السر.. مذكرات محمد حسنى مبارك يونيو 1967 - أكتوبر 1973» عند نشره فى أكتوبر عام 2013 بصفتى مدير النشر الثقافى بدار نهضة مصر. وهى كلمات أستعيدها اليوم بعد وفاة رئيس مصر الأسبق. فعند الحديث عن «مبارك» نجد أنفسنا أمام العسكرى والرئيس.
مبارك العسكرى ووفقاً لمذكراته -التى كتبها وقت أن كان نائباً للرئيس السادات- رجل شاهد بعينه هزيمة بلاده أمام العدو الإسرائيلى فى يونيو 1967، وسعى لإنقاذ طائرته والهرب بها من التدمير إلى حد الطيران للأقصر، عسكرى حلل خطة الهجوم الصهيونى فى يونيو 67 فوجدها نسخة مكررة من خطة العدوان الثلاثى على مصر التى وضعتها فرنسا عام 1956. طيار مقاتل أقسم أن يتم الرد على إسرائيل فى حينها أو بعد حين وأوفى بوعده. قائد قوات جوية تحمَّل عبء إعادة بنائها على أسس علمية بعد تدميرها فى يونيو 67 وأخذ بجميع الأسباب التى مكنت مصر من النصر فى فترة من أحلك الفترات التاريخية التى مرت علينا، دون أن يتناسى ذكر أى اسم شارك بجهد أو تضحية فى هذا البناء ولو صغر حجم الدور. هذا هو مبارك العسكرى الذى لن يستطيع أحد إغفال دوره مهما سعى البعض لذلك.
أما مبارك السياسى والرئيس الذى تسلم الحكم فى مرحلة حساسة من تاريخ بلادى بعد اغتيال الرئيس السادات، فقد حكم كثيرون عليه بضعف الخيال السياسى وعدم امتلاك موهبة المناورة، يدللون على ذلك بتراجع مكانة مصر السياسية إقليمياً ودولياً خلال سنوات حكمه. ولكنه أيضاً مبارك الرئيس الذى حمى مصر من مغامرات البعض السياسية فى المنطقة، وحافظ على كيانها رغم أزمات كانت تُفرض علينا، وصان الأرض فى وقت كان البيع شعار الجميع، وسعى لحماية منطقة اعتادت التسليم للخواجة.
هو مبارك الرئيس الذى لم يكن له باع فى عالم الإدارة واكتشفنا ما آل إليه حالنا بعد 2011. تردٍّ فى التعليم والصحة، وانهيار فى البنية التحتية. فى 2014 كان عدد القرى التى بدون صرف صحى 4500 قرية على سبيل المثال! عدم صيانة محطات الكهرباء أو محطات المياه، السماح للإخوان بالوجود فى المشهد ليصيروا فزاعة الداخل المطالب بالحرية والخارج المطالب بالإصلاح. أذكر المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام الأسبق الذى قال لى فى 2014 إنه كان كلما ألقت «الداخلية» القبض على خلية إخوانية تمارس الإرهاب، كان يخاطب وزير الداخلية بأن على الدولة القبض على رؤوس الإخوان لا فروعهم، فيكون الرد أن هذه أوامر الرئيس؟! مبارك الرئيس الذى لم يكتفِ بالبقاء ولكنه سعى لتوريث الحكم فى أكبر قراءة خاطئة للمشهد داخل وخارج مصر. مبارك الرئيس الذى لم يقرأ التاريخ والحاضر فلم يستشرف المستقبل.
رحل مبارك العسكرى الذى خلد سيرته فى العسكرية المصرية، ومبارك الرئيس الذى له ما له وعليه ما عليه.
فرحمة الله عليه.