بقلم: نشوى الحوفى
بين نفى على استحياء وبين إعلان عن تراجع، كان خبر إلغاء الأزهر ندب الدكتور عطا عبدالعاطى السنباطى، العميد السابق لكلية الدراسات العليا وأستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر، للعمل كرئيس لأكاديمية التدريب وتأهيل الأئمة والدعاة والوعاظ وباحثى أمناء الفتوى لمدة عام قابلة للتجديد. ولكن هذا لا ينفى احتياجنا للفهم.
بدأت القصة حينما نشرت الصحف قرار ندب الدكتور السنباطى للمنصب، لتُشعل نار الخبر هشيم الفيس بوك بتغريدات وتعليقات الأستاذ الأزهرى فى أعقاب ثورة 30 يونيو 2013 ورفضه لها مستخدماً نفس أوصاف الإخوان فى وصف الجيش وقائده، بل تمادى إلى إسفاف الجماعة بما لا يليق بالمنصب الجامعى الذى يشغله.
ليكون السؤال: كيف لهذا الشخص المنتمى أو المتعاطف أو المتحيز -أياً كان التوصيف- لجماعة إرهابية أذاقت بلادنا الويلات أن يتولى منصب الإشراف على إعداد الدعاة؟ والأهم كيف يمارس عمله بالتدريس للطلبة فى جامعة الأزهر؟ الكارثة واحدة سواء كانت إعداد طلبة أو إعداد دعاة؟!
التزم الجميع الصمت ولم يخرج من الأزهر من ينفى هذا الكلام بشكل حاسم، كأن شيئاً لم يكن، أو ربما انتظاراً لمرور الموجة لحال سبيلها؟ ولكنها لم تمر مرور الكرام، فالأمر جد خطير.
ثم كانت تصريحات الدكتور عبدالمنعم فؤاد، المشرف على الأروقة العلمية بالجامع الأزهر، للإعلام نصاً: «أنه لم يعرف بهذا الأمر، وأن الدكتور عطا لم يمارس وظيفته حتى الآن بشكل رسمى»!!! تصريح لا يريح ولا تعلم منه هل بالفعل تم اختياره للمنصب أم لا؟ فالمتحدث الأزهرى يعلن أنه لم يتسلم منصبه، وهو ما يفيد أنه تم اختياره وتعيينه فى المنصب لو أن فهمنا للغة صحيح. ثم ما هى إلا ساعات حتى خرج من يعلن لنا تراجع شيخ الأزهر عن تعيين السنباطى فى المنصب المذكور ويصف القرار بالحكيم؟!
لم أدرك أين مكمن الحكمة فى قرار شيخ الأزهر؟ هل فى عبور موجة الغضب الشعبى؟ أم فى تدارك الموقف لأنه لم يكن يعلم بخلفيات الرجل؟ وكلاهما كارثة بالنسبة لى. فلو أن الشيخ تراجع عن قرار التعيين عبوراً لحالة الغضب، فإن السؤال: وماذا لو لم تنتشر تعليقات ومواقف الرجل المؤيدة لجماعة إرهابية تشهّر بمصر فى الداخل والخارج وتهدد أمننا وتعادى الدولة وجيشها؟ هل كان سيتم تعيينه ويمر الموقف دون حس أو خبر؟ ناهيك عن ممارسة الرجل لعمله فى الجامعة. أما لو كان الشيخ قد اتخذ قراره بتعيين الرجل وهو لا يعلم خلفيته فتلك مصيبة أعمق تشير إلى أن شورى الشيخ ومكمن ترشيحاته يمكّنون الإخوان بما لا يحقق مصلحة وطن ومواطن، فأين تكمن حكمة القرار لدى شيخ الأزهر لنفهم ونعى ونعلم ما علينا فعله؟
وهكذا يا سادة، وكعادة الأمور فى بلادى، قامت الدنيا على السنباطى وتعيينه ثم هدأت وكأن الأزمة فى شخص السنباطى لا فى الموقف ككل، فإن كان السنباطى قد تم كشفه فكم من سنباطى فى جامعة الأزهر ومشيخته لم يتم كشفهم للناس لأنهم يتبعون مبدأ المداراة والتقية؟ وكم من عقول فى جامعة الأزهر ومشيخته يتم تغييبها من خلالهم؟
لن أتهم شيخ الأزهر بانتماء للإخوان لتعبير كتبه أو تمكين مارسه للجماعة فى الأزهر، فتلك مهام الأمن يتحقق منها، ولكننى أتساءل: لماذا تحول الأزهر إلى دولة داخل الدولة يمارس من فيها الحياة وكأنهم لا ينتمون لهذا الوطن ولا يعون مأساته مع التطرف والإرهاب؟ ما أدركه تماماً -بعيداً عن غوغائية المريدين وتمكين الإخوان- أن الأزهر مؤسسة من مؤسسات الدولة المصرية تخضع لقوانين الدولة المصرية وإدارة الدولة المصرية ورؤية الدولة المصرية لسماحة الدين ورفض العنف. فماذا بعد؟