بقلم : نشوى الحوفى
لماذا الصين الآن؟ سؤال تتلخص إجابته فى طموحات ومقارنات الكثيرين بين حال مصر والصين، فالبشر لا يهتمون بالتفاصيل ولا بمراحل التطور ولكنهم غالباً ما يحكمون على النتيجة النهائية فقط، بينما يدرك من قرأ علم الإدارة والموارد البشرية أن لحظة توهج النجاح التى يحصدها أى فرد أو مؤسسة أو حتى دولة، ما هى إلا نتاج مسيرة طويلة من الصعوبات والتحديات والإخفاقات أيضاً، ولكنها خطوات لا يشعر بها أحد إلا من قرر تحقيق ما قالوا عنه مستحيل، ومن هنا تكون العودة لتجربة الصين فى مسيرة الصعود بدأت عام 1978 لتتحول من دولة تحيا بملايين من السكان تحت خط الفقر، إلى دولة يحيا ارتقت بمستوى معيشة المواطن بشكل كبير، اليوم نتحدث عن خطوات الصين تجاه تطبيق آليات السوق الحرة فى ظل حكم الحزب الشيوعى.
وهى الخطوة التى بدأت بعد تحقيق أهداف العشرية الأولى من 1980-1990 بتوفير الغذاء والكساء للشعب الصينى.
ففى العام 1993 سعت الصين إلى إعادة هيكلة اقتصادها ليتحول لاقتصاد السوق بدعم من الحزب الشيوعى الصينى الحاكم، وتم البدء بإنشاء خمس مناطق اقتصادية سعت لجذب رؤوس الأموال الأجنبية لدعم سياسة التصنيع بالصين وتصدير ماركات عالمية لكافة الدول بشعار «صنع فى الصين»، وقد اعتمدت الصين فى تلك المناطق على الشراكة بين المؤسسات الحكومية والمؤسسات التعاونية والشركات الأجنبية، فى ذات الوقت الذى يخضع فيه اقتصاد تلك المناطق لفكر وقيادة الدولة المركزية، مع حرص الدولة الشديد على تقديم كافة الامتيازات والتسهيلات -فعلاً لا قولاً- لكافة المستثمرين فى الضرائب والتأسيس وتأشيرات الدخول والخروج للمستثمرين، كما مُنحت تلك المناطق نظاماً إدارياً متحرراً من البيروقراطية التى كبلت مؤسسات الدولة، لتمنح التجربة الدفعة للاقتصاد الصينى سريعاً، ويرتفع حجم التجارة الخارجية للمناطق الخمس الخاصة 24.280 مليار دولار بما يعادل 14.65% من حجم تجارة الصين الخارجية، فتم افتتاح 14 منطقة خاصة أخرى فى الصين بشكل ساهم فى زيادة نسب النمو فى تلك المناطق إلى 11% سنوياً، وزيادة متوسط دخل الفرد إلى 1200 دولار مقابل 240 دولاراً فى المدن الأخرى، وهو ما شجع على قدوم المزيد من الاستثمارات الأجنبية لتلك المناطق لتزيد معدلات مساهمة الصين فى التجارة العالمية.
حدث هذا رغم الفساد المتفشى فى ربوع الصين، ورغم حجم النمو السكانى الذى سعت الصين للسيطرة عليه منذ خمسينات القرن الماضى، وكان عقبة فى سبيل تحقيق النمو وشعور الناس به، وهو ما دفع بقيادة الحزب الشيوعى لاتخاذ إجراءات موازية للحد من الفساد، مثل زيادة الرقابة على المؤسسات الحكومية وتشديد العقوبات والإعلان عن تلك الجرائم لكبار وصغار المسئولين، كما سعت للحد من الزيادة السكانية بإصدار قانون السكان وتنظيم الأسرة عام 2001 بشعار «أسرة الطفل الواحد» عبر تطبيق حوافز إيجابية وسلبية لتفعيل القانون، لينخفض معدل النمو السكانى عام 2008 إلى 0.5%.
لم تكن المسيرة بالأمر السهل فى ظل تحديات خارجية كانت تفرض نفسها على الصين وعلى العالم، فما بين حربى الخليج الأولى والثانية والغزو السوفيتى لأفغانستان وفرض الهيمنة الأمريكية وثقافتها على العالم وانهيار حائط برلين وعزل كوبا فى محيطها اللاتينى وفرض العولمة كثقافة فارضة للإرهاب وغيرها من الظواهر، كانت مقاومة الصين للفكرة الغربية التى ترى أن التقدم الاقتصادى لا بد أن تصحبه حرية سياسية بالمفهوم الغربى، وهو ما أثبتت الصين خطأه لتفرض رؤيتها ونموذجها، الذى بات محور اهتمام العالم النامى حينما ارتقت بمستوى معيشة المواطن، لتحقق معادلة أخرى ذات أهمية فى الفهم مفادها عدم اشتراط ثراء المواطن فى الدولة الغنية.
وللحديث بقية...