بقلم: نشوى الحوفى
بينما ينشغل العالم بكورونا ومرضاه وضحاياه ولقاحاته التى لم يحسم أمرها بعد، تتبدى على الخريطة الدولية ملامح يقود بعضها لتغييرات مستقبلية، ويمنح بعضها المشهد المزيد من الغموض المحيط بمستقبل الكرة الأرضية.
من بين تلك التفاصيل التى قد يعيرها البعض أو لا يعيرها اهتماماً، تلك التقارير التى تناولت إعلان الولايات المتحدة تقليل قواتها فى ألمانيا البالغ عددهم نحو 52 ألف أمريكى يتوزعون وفقاً لبيانات وزارة الدفاع الأمريكية بين 34.500 جندى، ونحو 17 ألف موظف مدنى أمريكى يتوزعون بين قاعدة جوية عسكرية ومراكز للتدخل السريع فى أوروبا وأفريقيا ومراكز للتدريب ومستشفى عسكرى كبير. التخفيض المعلن عنه فى تصريحات الرئيس الأمريكى يقدر بنحو 50% من ذلك العدد، أى أنه سيصل إلى نحو 25 ألف أمريكى. والسبب، كما كررت واشنطن، مراراً هو النفقات القليلة للحكومة الألمانية كمساهمة ضعيفة فى حلف الناتو. كما يعلل الرئيس الأمريكى ترامب سحبه لتلك القوات بأن ألمانيا لا تتحمل نفقات وجودها على أرضها! وهو مبرر ينافى قواعد حلف الناتو التى تنص على أن «تكاليف التمركز والتدخلات يدفعها البلد المرسل للقوات». أى أن على أمريكا إن أرسلت قواتها فى إطار حلف الناتو إلى أى بلد أن تتحمل تكاليف ذلك وليس لها بالمطالبة بتكلفة ذلك.
ربما لا يعلم البعض أن الدول المهزومة فى الحرب العالمية الثانية قد خضعت لتمركز قوات الولايات المتحدة بمبررات عدة، من بينها مبرر الأمن القومى الأمريكى من تكرار فعل الحرب، ومواجهة المد الشيوعى للاتحاد السوفييتى، ومراقبة تحقيق الاستقرار المطلوب فى تلك الدول وفقاً للرؤية الأمريكية. يحدث هذا حتى يومنا هذا فى اليابان حيث يتواجد 39 ألف عسكرى أمريكى ينتشرون فى 112 قاعدة عسكرية أمريكية، أغلبها فى جزيرة أكيناوا التى يوجد بها الأسطول السابع الأمريكى بقوام 20 ألف بحار أمريكى. كما يحدث فى كوريا الجنوبية التى يوجد بها 34 ألف عسكرى أمريكى يتوزعون على 33 قاعدة عسكرية أمريكية.
التاريخ يقول إن الدول المهزومة فى الحرب العالمية الثانية قد عانت ويلات الهزيمة ونتائجها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التى أحكمت سيطرتها عليهم. ففى ألمانيا تم إعادة ترسيم الحدود مع الدول المجاورة لها، فتم رد إقليم الألزاس لفرنسا وسوديت لاند إلى تشيكوسلوفاكيا، كما تم تقسيم ألمانيا إلى دولتين تخضع الشرقية منهما لسيطرة الاتحاد السوفييتى، بينما تتبع الغربية أمريكا. ليس هذا فحسب بل قامت أمريكا فى العام 1945 بتفكيك مصانع الصناعات الثقيلة الألمانية لضمان عدم حدوث أى نهضة اقتصادية فى ألمانيا، بل إنها حصلت على تعويضات قُدرت بنحو 10 مليارات دولار وقتها من الاختراعات وبراءات الاختراع والأبحاث العلمية الألمانية، وامتد الأمر إلى الخبراء والعلماء الألمان الذين اعتبرتهم أمريكا وسيلة لدفع التعويضات المطلوبة!!! ولم يكن يسمح للألمان إلا بما يضمن منع المجاعة بينهم. وهو ما استمر حتى عام 1947 حينما أيقنت واشنطن أن لا استقرار لها بدون تنمية اقتصادية حقيقية فى ألمانيا تضع لها الشروط أو تتم تحت أعينها وأيديها المسلحة.
نعم، ربما لا يدرك الكثيرون تلك التفاصيل التى عاشتها ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية التى انتهت بمقتل الملايين وتدمير ألمانيا واجتياح قوات الحلفاء لأراضيها، ولكن الألمان لم ينسوا تلك التفاصيل التى يعيشونها منذ تلك الحقبة. لقد دفعوا المليارات كتعويضات لليهود والحلفاء، ارتضوا بأن ينالهم نصيب من فتات مشروع مارشال، عاشوا هوان الهزيمة وذل التواجد الأمريكى الذى تحول بمرور الزمن إلى قوات صديقة تتواجد لحماية دولة ألمانيا العضو فى حلف الناتو. حلف شمال الأطلنطى العسكرى. نعم، ألمانيا لم ولن تنسى ما تعرضت له. ولكن هل تكون الذاكرة وأحداثها هما سبب الخوف الألمانى من سحب جزء من القوات الأمريكية؟ السؤال بشكل آخر: ما الذى يخيف ألمانيا من ذلك الموقف الأمريكى وهى الاقتصاد الأول فى أوروبا بناتج قومى يبلغ 3 تريليونات و600 مليار دولار، وجيش مصنف ضمن أفضل الجيوش عالمياً بميزانية تقدر بنحو 34 مليار دولار؟
ربما تكمن الإجابة فيما تدركه ألمانيا وغيرها من دول أوروبا من مخططات صهيونية تسعى لامتلاك العالم. فهل حان وقت أوروبا مجدداً؟