بقلم: نشوى الحوفى
قدموا لنا «الغنوشى» بعد 2011 على أنه من حمائم الإخوان بنفس منطق الجماعة فى التمييز بين أعضائها بفريق «البنائين»، نسبة لحسن البنا، بدعوى أنه مُسالم، و«القطبيين»، نسبة لفكر سيد قطب العنيف! بينما أكد الواقع أنه ليس بالجماعة حمائم وليس بالجماعة فريقان فهما عملة واحدة بوجهين تحت الطلب وحسب الظروف. كما فى الخلاف بين «أبوالفتوح» و«الشاطر» الذى لم يكن خلافاً عقائدياً، بل هو خلاف فى المصالح وأحقية رئاسة الجماعة.
القارئ فى السيرة الذاتية لراشد الغنوشى المولود فى 1941 تقول إنه من بين ألقابه «مفكر إسلامى تونسى»(صفة سمحت له بكسب المتعاطفين مع فكر الجماعة)، و«زعيم حركة النهضة التونسية» (التى بدأت كجماعة إسلامية أسسها الغنوشى مع عبدالفتاح مورو وغيرهما فى نهاية الستينات، ثم غيرت اسمها فى 1972 إلى حركة الاتجاه الإسلامى التى تحولت فيما بعد إلى حركة النهضة.. نعم كلهم واحد). وهناك لقب مساعد الأمين العام للاتحاد العالمى لعلماء المسلمين الذى كان يترأسه «القرضاوى»، الهارب فى قطر، حتى عام 2018. كما يحمل «الغنوشى» لقب عضو مكتب الإرشاد العام العالمى لجماعة الإخوان المسلمين، أى إنه جزء من التنظيم الدولى للإخوان، ولذا كان صاحب فكرة خوض الإخوان لانتخابات الرئاسة فى مصر وإقناع عبدالمنعم أبوالفتوح والقرضاوى بها ومن هنا تدرك تأثيره وخطورته. بقى أن نقول إنه يحمل اليوم فوق كل ما سبق لقب رئيس مجلس النواب التونسى، لتدرك ما آل إليه حال تونس.
إلا أن سيرة الرجل لا تقف عند مسميات يحملها فى سيرته، ولكنها تمتد لتهم الإرهاب كحال كل من تاجروا بالدين وجعلوه وسيلة استرزاق أو مُسمى يضيفونه على هيئتهم فى غفلة من تطوير حقيقى كان على العالم العربى خوضه فى التعليم والثقافة والفكر منذ عقود مضت. ولذا تجد اتهام الرجل بأعمال إرهابية من قبل نظام الرئيس بورقيبة، الذى سبق واحتضنه لمواجهة الفكر الشيوعى فى السبعينات كما حدث فى مصر، بالتورط فى أعمال إرهابية من بينها حرق مراكز تعليمية وخطف مسئولين. فحُكم عليه بالسجن لمدة 11 عاماً فى 1981 قضى منها 3 سنوات فقط وخرج بعفو رئاسى، ثم حكم عليه عام 1987 بالسجن مدى الحياة وخرج بعفو رئاسى بعد انقلاب «بن على» على الرئيس «بورقيبة»، ثم حُكم عليه غيابياً بالسجن مدى الحياة عام 1991، ولكنه كان قد غادر إلى السودان فى عام 1989، حيث منحه نظام البشير جواز سفر دبلوماسياً، انتقل بعدها إلى بريطانيا التى منحته حق اللجوء السياسى «كالعادة»، وهناك قضى 21 عاماً من عمره. إلا أن هذا لم يحل أن تمنع عدة دول مثل مصر ولبنان والولايات المتحدة وإسبانيا دخول الغنوشى لأراضيها فى فترة وجوده خارج تونس، حتى حانت لحظة العودة فى عام 2011 بعد ثورة تونس «ليحدث ما حدث».
ليس هذا فقط ما تحمله سيرة الرجل، بل يوجد بها العديد من الجوائز العالمية من برلين وبريطانيا والهند. بالإضافة إلى كونه محاضراً يتحدث عن حرية الفكر والاعتدال والسلام.
ولكن هل يكفى هذا لتصديقه؟
الفعل كذب القول، فممارسة السياسة لدى الإخوان تفضح أقوالهم وزيفها وكذب فكرهم مهما حاولوا تجميله. فالرجل الذى خالف الديمقراطية التى يتغنى بها ويُحاكمه مجلس نوابه، الذى يرأسه اليوم بسببها حين زار «أردوغان» والتقاه فى أنقرة دون أى مبرر إلى حد اتهام النواب له بتعريض أمن تونس القومى للخطر، لا ينكر لقاءاته مع عبدالكريم بلحاج، أمير الجماعة الليبية المقاتلة فى طرابلس، ولا ينكر تأييده لحكومة الوفاق ولا يخفى دعمه لتركيا، فالرجل إخوانى الفكر والتنظيم والسلوك ولكننا مَن صدقنا أنه من الحمائم المفكرين.
فهل تتحرر تونس؟
الأزمة اليوم، رغم اهتمامى بما يحدث من تمدد للإخوان فى المنطقة والعالم، ليست فى تونس وحدها، التى تغلى على جمر من نار يشعله الخوف من اختطاف الدولة فى طريق الإرهاب المؤسسى تحت عباءة الدولة ومجلس النواب والديمقراطية وصندوق الانتخابات، ولكن الأزمة فيما يقوم به «الغنوشى» وتنظيمه من خطوات فى الغرب الليبى بعلم من خططوا لهدم المنطقة باستخدام الدين منذ 1977 فى البيت الأبيض وتل أبيب. الأزمة فى اتساع رقعة تنظيم الإخوان، ولا علاقة له بدين أو وطن.
يمكرون ويمكر الله.