بقلم - نشوى الحوفى
لعله من أبرز الكتب حتى يومنا هذا فى تفسير طبيعة وحقيقة تحرك الجماهير والجموع والعقل الجمعى وبخاصة فى فترات الانحدار والجهل والتمرد والثورات، أعنى بحديثى كتاب سيكولوجية الجماهير لعالم الاجتماع والنفس الفرنسى جوستاف لوبون، الذى قام بتأليفه عام 1895، صحيح أن عالم النفس الشهير سيجموند فرويد ألف فى عام 1921 كتاباً حمل عنوان «علم نفس الجماهير» لتقديم تحليل أعمق لنظرية جوستاف، إلا أن كتاب سيكولوجية الجماهير يظل رائداً فى قراءته وفهم الحال الجمعى به.
الفكرة التى يبحث فيها الكتاب هى كيفية تحرك وتفكير الشعوب وكيف تنساق فى تكتلات وراء زعامة أو قيادة أياً كان نوعها، دينية أو سياسية أو اجتماعية، وحالياً أضف لها إعلامية، كان جوستاف لوبون أول من صاغ مصطلح «عصر الجماهير» وتقدم الطبقات الشعبية للمقدمة فى السياسة فى فترة كانت قد ظهرت فيها بوادر الفكر الاشتراكى ومبدأ طبقات الشعب العاملة، ناقش لوبون الفكرة ولم يخف تخوفه من تلك الظاهرة على الحضارة الإنسانية وحذر من تدمير الجماهير للحضارة أياً كان ماهية المساهم فيها، وسبب الخوف كما قال فى كتابه يتمثل ببساطة فى أن للحضارة نسقاً وقواعد وقيماً ونظاماً تشرف عليه النخبة القليلة بينما تنفذها الجماهير وفق القواعد، ثم ناقش وسيلة الحماية هل تكون قوة الإيمان بالله أم العلم؟ وانحاز جوستاف لوبون للعلم مبرراً ذلك بأن الجموع التى تتحرك كالمنومة مغناطيسياً وتتخلى عن إحساسها بالمسئولية لن تتوقف عند الإيمان الذى هو علاقة فردية بين الخالق والإنسان، بينما العلم هو الوسيلة التى من الممكن أن ترتقى بسلوك الإنسان وبالتالى المجتمع. أتوقف هنا للحظات لتفهمى تلك النقطة بطريقة تتفق والتفسير الحقيقى لمعنى الرسالة المحمدية التى ختم الله بها دينه الإسلام، تلك الرسالة التى بدأت بكلمة «اقرأ» رغم أن الوحى جبريل نزل على نبى أمى لا يقرأ ولا يكتب فى مجتمع جاهلى، ولكن كانت البداية بالقراءة أى إنها إيذان بعصر العلم، بمعنى أن دين الله اختتم رسالاته السماوية بإعلان قيمة العلم لإتمام إرسال الخالق للبشر، نعم العلم المقرون بإيمان رادع لسلوك البشر الهمجى ورادع لثقافة الغوغاء المرعبة التى لا تحمل منطقاً فى حديث ولا خلقاً فى رؤية أو تعامل، العلم بحضور الضمير هو الرادع للجهل والسلوك البشرى المنحرف.
أعتقد أن جميعنا بحاجة لقراءة هذا الكتاب بعمق لتذكير ضمائرنا وعقولنا وأرواحنا بألا نسير فى زمرة القطعان دون فهم أو علم ولكى لا نتنازل عن إرادتنا طواعية لصالح الغوغائية فى المجتمع، لنتعلم كيف نكون قادرين على التحليل للخبر بوعى والبحث عن أكثر من مصدر موثوق به وتتبع جذوره دون رغبة فى نهش أو نميمة أو هدم أو مجاراة طيور الخراب المنتشرة فى كل بقعة اليوم، علينا أن نقرأ لنتعلم كيفية اتخاذ القرار والخطوات فى زمن الأخبار ونقيضها فى ذات اللحظة، ليبقى لنا أن نستفتى قلوبنا وضمائرنا ولو أفتونا، فنتحمل المسئولية فى أى قرار أو موقف بعد بذل الجهد فى الإدراك وحتى لا نكون نموذجاً لمقولة موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى الأسبق حين سألوه بعد حرب يونيو 1967 كيف استخدم نفس خطة الهجوم فى حرب عام 1956؟ فقال: «العرب أمة لا تقرأ وإن قرأت لا تعى وإن وعت لا تتذكر»، فهل نرفض الغوغائية ونحتمى بالعلم؟
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع