بقلم: نشوى الحوفى
تهدد بريطانيا بتمديد التأشيرات ومنح جنسيتها لنحو 3 ملايين مقيم فى هونج كونج، رداً على إصرار الصين فرض قانون الأمن القومى فى المستعمرة البريطانية السابقة، التى منحتها الاستقلال فى عام 1997. التهديد -كما جاء على لسان وزير الخارجية البريطانى- يوسّع الحقوق الممنوحة لحاملى جواز السفر الذين يحملون صفة «مواطن بريطانى فى الخارج». أى أن ما يوازى نصف سكان هونج كونج سيصبحون مواطنين بريطانيين لا يحق للصين الاقتراب منهم.
الولايات المتحدة هى الأخرى تضيف إلى قائمة علاقاتها الملتهبة مع الصين بسبب القيود الاقتصادية واتهامات كورونا، بنداً جديداً وتهدّد بتوقيع عقوبات على الصين فى حال إقرار القانون المعنى بمحاكمة أىٍّ ممن تنطبق عليه تهم الإضرار بمصالح الصين القومية من سكان هونج كونج فى الصين.
لا أحد يعلم إلى أى حد يمكن للصين الوصول فى تلك المعركة التى ينبئها التاريخ بأن الخوض فيها ليس فى صالحها، ويحتم عليها الواقع مواجهتها فى ظل السعى المحموم لإثبات التفوق. لكن من سيحسم نقطة النهاية؟ هذا هو السؤال.
التاريخ يقول إن هونج كونج وقعت فى يد بريطانيا بعد الانتصار على اليابان فى الحرب العالمية الثانية، ولم تعدها للصين إلا فى عام 1997 بشرط تمتّعها بالحكم الذاتى، فى إطار سياسى رفع شعار «بلد واحد ونظامان مختلفان». بريطانيا لم تترك هونج كونج إلا بضمان شبه استقلالها عن الصين فى القضاء والاقتصاد، وليس للصين فى هونج كونج إلا التبعية الدبلوماسية والعسكرية. وما عدا ذلك فيُدار بفكر مستقل تماماً عن جمهورية الصين الشعبية. حتى العملة الخاصة بالجزيرة لا علاقة لها باليوان الصينى، إذا تستعمل الجزيرة دولار هونج كونج. الصين تعلم أن رجوع الجزيرة لها منذ 23 عاماً كان مشروطاً بالإبقاء عليها مستقلة عنها فى المضمون والهوية. لذا سبقت المظاهرات فى هونج كونج التهديدات البريطانية الأمريكية.
قصة الجزر فى تاريخ الصين تحمل الكثير من الحكايات ذات الدلالة. تعنينا هنا قصة تايوان التى يظنها البعض دولة مستقلة خطأً، بينما هى جزء من الصين تمرد عليها بعد حرب أهلية أعقبت استعادة الصين لبعض جزرها، ومنها تايوان من تحت يد الاستعمار اليابانى بعد هزيمته فى الحرب العالمية الثانية. هزيمة الحزب الوطنى الصينى أمام نظيره الشيوعى، أجبرت الأول على اللجوء إلى تايوان وإعلان جمهورية الصين منها. نعم جمهورية الصين هو الاسم الرسمى لتايوان حتى اليوم!
ونتيجة للحرب الباردة وسيطرة الحزب الشيوعى على البلاد، منحت الولايات المتحدة مقعد جمهورية الصين الشعبية لتايوان، باعتبارها الكيان الممثل للصينيين جميعهم. حتى جاء عام 1971، فاعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن «ممثل حكومة جمهورية الصين الشعبية هو الممثل الشرعى الوحيد للصين لدى الأمم المتحدة، ومنحت الصين العضوية ضمن الدول الخمس الدائمة فى مجلس الأمن الدولى، وطردت «ممثل» سلطات جمهورية الصين أو تايوان من المنظمة. ليعترف العالم بصين واحدة وتايوان جزء لا يتجزّأ منها، رغم عدم عودة تايوان للصين الشعبية حتى يومنا هذا.
ورغم عدم وجود سفارات دبلوماسية لتايوان فى دول العالم، فإن مكاتب التمثيل الاقتصادى والثقافى لتايبيه -اسم العاصمة- تملأ دول العالم. كما أن تايوان واحدة من دول النمور الآسيوية التى شهدت طفرة اقتصادية منذ الستينات، وسبقت الصين الشعبية فى نهضتها بسنوات. كما كانت الولايات المتحدة أحد أسباب قوة تلك الجزيرة منذ عقود، فأمدتها بالسلاح، ودرّبت مؤسستها العسكرية. وترفض تهديد الصين الشعبية لها بضمّها بالقوة العسكرية.
نعم.. رحلت بريطانيا عن هونج كونج، وطردت أمريكا ممثل تايوان من الأمم المتحدة، لكن ليس لعيون الصين، بل لاستمرار وجود الشوك بظهر الصين.