تشكل وعينا منذ سنوات عمرنا الأولى فى التعلم على أهمية قارتنا السمراء.
تعلمنا أنها قارة الموارد الطبيعية على تعدد ملامحها بين ثروات المعادن والزراعة والرى والطاقة.
علمونا أن أفريقيا هى سلة غلال العالم لو أرادت البشرية ذلك حقاً.
فمساحتها الشاسعة ووجود نحو 13 نهراً والعديد من الأحواض المائية ومصادر المياه الأخرى بها، إلى جانب تنوع مداراتها بشكل منحها تنوع المناخ، يمنحها التفوق فى الزراعة بشدة.
فقط لو نجحنا فى زراعة 35% من مساحتها كما تقول التقارير، وهى المساحة المؤهلة للزراعة.
بينما المستغل منها 7% فقط.
تعلمنا أن فى أفريقيا ثروات لا تقدر بثمن، تنتج 80% من إنتاج العالم للبلاتين، 40% من الإنتاج العالمى للماس، 25% من الذهب، هذا غير ما تملكه من الاحتياطى العالمى فى العديد من المعادن الأخرى كالحديد والفوسفات والمنجنيز واليورانيوم.
أضف لكل هذا ما تملكه من احتياطى النفط العالمى المقدر بنحو 124 مليار برميل بما يعادل 12% من احتياطى العالم تتركز فى نيجيريا والجزائر ومصر وأنجولا وليبيا والسودان وغينيا الاستوائية والكونغو والجابون وجنوب أفريقيا.
كما تمتلك ما يوازى 10% من احتياطى العالم من الغاز، وهو ما قدرته الأبحاث بنحو 500 تريليون متر مكعب.
كل هذا رائع.. كل هذا يكفى عدد سكان القارة ويفيض.. فقط لو واجهت تحدياتها واستغلت مواردها الاستغلال الأمثل. فالقارة السمراء الثرية تعانى النهب منذ سنوات بعيدة طالها فيها الاستعمار الذى لم يبرحها رغم وثائق الاستقلال لكل دولها.
تحزن حينما تعرف أن فرنسا لا تزال تربط عملتها بفرنك أفريقى فى نحو 14 دولة أفريقية بشكل يزيد فقر تلك الدول ويحمى الفرنك الفرنسى.
تذهل من عدد القواعد العسكرية للدول الاستعمارية فى القارة السمراء تحت مسميات التعاون الاستراتيجى أو استئجار القواعد مقابل المال.
فرنسا منحت جيبوتى استقلالها عام 1977 ولكنها أقامت فيها قاعدة عسكرية فى نفس العام، وكأنها لا تريد أن تبرح مكانها فيها، تلتها دول أخرى كأمريكا واليابان والصين.
تتعجب من حال القارة المرهون بعلاقات اقتصادية مجحفة لصالح القوى العالمية التى تدعى حقوق الإنسان والحريات.
فوفقاً للتقارير فإن 23% من إجمالى إنتاج القارة من البترول يذهب للولايات المتحدة الأمريكية، بينما تحظى دول الاتحاد الأوروبى بأكثر من 25% من إجمالى الإنتاج.
ناهيك عن تجارة السلاح التى تساهم فى إشعال الحروب الأهلية وتولد التطرف والإرهاب فى ظل بلدان تعانى الفقر والبطالة بشكل محزن.
فنحو 35% من سكان القارة يعيشون تحت خط الفقر مقابل 1% من سكان دول العالم المتقدم.
ففى تقرير للبنك الدولى صدر فى يناير 2019، ذكر أن نصف فقراء العالم يعيشون فى 5 دول فقط ثلاث منها فى أفريقيا.
وهى بالترتيب الهند ونيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وبنجلاديش.
هذا غير الفساد الذى يهدر 50 مليار دولار سنوياً من خلال أموال غير مشروعة فى القارة.
ولذا فتنمية أفريقيا الساعية لها مصر بكل طاقتها وحضر من أجلها الرئيس السيسى قمة السبع الكبار فى فرنسا، وقمة التيكاد السابعة فى اليابان ليست بالأمر السهل.
أفريقيا تحتاج إلى مشروعات بنحو 100 مليار دولار سنوياً فى البنية التحتية فقط.
أفريقيا تعانى الانقسام والطائفية والتطرف والإرهاب التى تلتهم شبابها وثرواتها ومستقبلها. وهو ما يعنى مجدداً حاجتنا إلى الوعى والتركيز على تلك القارة فى مناهجنا التعليمية وبرامجنا الإعلامية.
ومد الجسور مع جذورنا عبر العديد من المشروعات بنفس فكر سد ستيجلر جورج فى تنزانيا الذى يقام بأيدٍ واستثمار مصرى.
ومن قبلها ساهم تاجران فى إنجاح حملة أطلقا عليها اسم «سامح تؤجر» لفك أزمة ديون التجار وإنقاذهم من الإفلاس، بالإضافة إلى التخفيف من الأعباء عن المواطنين غير القادرين على الوفاء بديونهم، وسرعان ما لاقت الحملة القبول والمؤازرة بين الناس والنشطاء الذين شاركوا فى إنجاح الحملة، فانتشرت على نطاق واسع لتشمل من تراكمت عليهم الديون والالتزامات وضاقت بهم سبل العيش الكريم.
ومنذ ثلاثة أيام أطلق أستاذ علم الأحياء والبيولوجيا «محمود كلخ» مبادرة «زواج البركة» فوجدت صدى وجدلاً كبيرين فى المجتمع الغزاوى نظراً لجرأتها وخروجها عن التقاليد، رفعت المبادرة شعار «بنات الغلابة لأولاد الغلابة»، وينص «زواج البركة» على أن يكون المهر ألف دينار أردنى (20 ألف جنيه تقريباً) والسكن عبارة عن غرفة فى منزل عائلة الزوج وغرفة نوم لا تتجاوز الألف شيكل (5000 جنيه) وذلك عكس المتعارف عليه فى العرف الغزاوى.
ففى الماضى كان الزواج فى غزة مكلفاً للشاب وأسرته ومغالى فيه، أما وفى ظل الظروف البائسة التى يتعرض لها الشباب والفتيات الآن وهجرة البعض هرباً من الفقر فى محاولة لتكوين مستقبلهم، وانتشار البعض الآخر فى الطرقات يتجولون وجيوبهم فارغة وقد وصلت أعمارهم الثلاثين ويزيد، لأن سنوات الانقسام سرقت أعمارهم والعمر لا يعوض بثمن، فقد شعر «كلخ»، صاحب المبادرة، بأهميتها للمجتمع، وحل مُشجع لمشكلة الشباب الذى أصبح على أعتاب الضياع فى ظل تضاؤل الأمل فى رأب الانقسام وتحسن الأوضاع الاقتصادية.
ازدياد حالات الطلاق والانهيار الأسرى يرجعه صاحب المبادرة لتراكم الديون على المتزوج بسبب ارتفاع المهور التى تتراوح بين (5000-6000) دينار، ما يعادل (100 -120 ألف جنيه)، فمن حاول الإيفاء بالتزامات الزواج استدان ليكملها وهو لا يعرف كيف سيقوم بسدادها، ومن هنا تنشأ المشاكل والأزمات وصولاً إلى الطلاق.
إنها الحاجة التى تصنع الأفكار الخلاقة، والفكرة التى لم تكن مستأنسة بالأمس بسبب الأعراف والتقاليد، أصبحت مثار إعجاب وترحيب اليوم، ففى ظل الحاجة والأزمات الاقتصادية تتلاشى الكثير من العادات والتقاليد والمظاهر الخداعة المرهقة مادياً ونفسياً.