بقلم: نشوى الحوفى
طالعت منذ أيام خبر افتتاح الإمارات لوزارة جديدة أطلقوا عليها وزارة «اللامستحيل». عنوان يثير الدهشة ويدفعك لفهم مهام تلك الوزارة المستحدثة بعد عدد آخر من الوزارات كان آخرها وزارة الذكاء الاصطناعى المعنية بكل ما يحمله العلم من تقدم وما توفره الثورة الصناعية الرابعة من ملامح للاستعداد لها. وكذلك وزارة التسامح المعنية بنشر ثقافة قبول الآخر أياً كان معتقده أو جنسه أو عمره أو مهنته، ووزارة السعادة المعنية بتقديم بيئة العمل المناسبة الصحية للعاملين بالدولة من جانب، والمواطن بشكل عام من ناحية أخرى.
قد تبتسم وترى فى تلك الوزارات نوعاً من ترف أو رفاهية تتعامل بها الإمارات مع واقعها بتعداد سكان لا يتجاوز المليون مواطن، بالإضافة إلى 8 ملايين وافد، وحجم ناتج قومى يضمن لهم رفاهية العيش وتطوير البنية التحتية والإدارية والمجتمعية. ولكن لا تتسرع وفكر فى تلك الوزارات التى تعبر عن ثقافة بناء الإنسان والاهتمام به فى ظل عداء يتصاعد فى العالم ضد الآخر بين يمين متطرف وتكفير متطرف، وفى ظل ثورة صناعية رابعة باتت تطرق أبواب المستقبل بقوة إلى حد إعلان الأمم المتحدة فى ديسمبر 2018 عن فشلها فى تحديد المهارات المطلوبة من البشرية للعمل فى العام 2030 نظراً للامحدودية التطور التكنولوجى. وآتى معك لوزارة اللامستحيل التى أُعلن أنها ستكون بدون وزير يتشارك فى الإشراف عليها ثلاثة وزراء وتتخصص فى مرحلتها الأولى فى إدارة الخدمات الاستباقية، وإدارة المكافآت السلوكية، وإدارة اكتشاف المهارات لأطفال الإمارات، وإدارة منصة المشتريات الحكومية واختصار وقتها من 60 يوماً إلى 6 دقائق. نعم هى مهام بسيطة فى البداية، ولكنك تستشرف منها السعى الدؤوب على حضور المستقبل بيقين المستعد لا المتفاجئ. وهذا هو فكر المستكشفين، فالغد قد يمنح عطاياه لمن يسرع التعامل معه عند مجيئه، ولكنه يمنح من استعد له أكثر بكثير ممن تفاجأ به. فما بالكم بمن لم يفكر فيه من الأساس وعاش يوماً بيوم؟ بالطبع لا نصيب له فى هذا المستقبل المقبل بثورة صناعية رابعة لا تستطيع فيها التقاط الأنفاس.
ومن هنا وجب التفكير فى بلادى فى تلك الوزارة بجدية. لا أتحدث عن منظومة إدارية تدخل الجهاز الإدارى المتهالك فتزيد من روتينه أو بيروقراطيته، أو تكون مكاتبها مقراً للباحثين عن مسمى أو لقب. بل أتحدث عن منظومة فكرية علمية تكنولوجية تكون مصنعاً للأفكار فى كل المجالات وحاوية لقاعدة بيانات معنية بكل موهبة فى كافة النواحى فتضع العين عليها وتسعى لحمايتها من براثن كل فاسد أو فاشل يعيق وصولها. أتحدث عن منظومة بحثية تستبق الأزمات وتضع الخطط المتعددة لمواجهتها وتضع الرؤية لما يمكن فعله للإجابة دوماً على سؤال مهم كثيراً ما نتجاهله مفاده: «ماذا لو...؟» وضع بعد «ماذا لو» ما شئت من تحديات أو تساؤلات، وضع لها الإجابة المستندة على قاعدة العلم والفهم والهوية. أتحدث عن منظومة قيمية تتجاهل شطحات التغييب الإعلامية وتتحدى غياهب الجهل السلوكية، فتضع أطر حماية العقل والهوية المصرية لتستعيد ماضيها الثرى بإبداعات ما زال العالم يتوقف عندها محاولاً فك طلاسمها. وتكتسب رونق الفكر والثقافة والأدب بقيم التعايش، وقبول الآخر فى إطار من احترام وكفاءة واستحقاق.
نعم، نحتاج لوزارة اللامستحيل المصرية إن كنا نبنى «الضبعة»، ونشيّد محور روض الفرج ونتكلم عن مشروع ربط بحيرة فيكتوريا بالبحر المتوسط، ونطور الجيش المصرى ونغير وجه الصحراء فى سيناء والفرافرة، ونضع مشروعاً للتعليم والصحة. نحتاج وزارة اللامستحيل للإعداد لمستقبل مصر.