بقلم: نشوى الحوفى
تهل علينا ذكرى السادس من أكتوبر 1973 بينما لا تزال بلادى صامدة وسط محيط يموج بالتغيرات المرعبة منذ ديسمبر 2010. سمُّوه الربيع العربى حينها، وتخوّفنا من المعنى وقتها. تعلن تقارير البنك الدولى فى يناير 2019 أن تكلفة الخسارة من هذا الربيع المزعوم فى العالم العربى بلغت نحو 900 مليار دولار على أقل تقدير! 900 مليار زادت العرب فقراً وجهلاً ودماراً، فلا طموح لنهضة فى عوالم عربية يتجاوز فيها عدد اللاجئين الملايين، ولا أمل فى ترقٍّ بين شعوب يتعرض فيها ملايين آخرون للمجاعة وبرد الشتاء القارس، ففى الجوع والأمية والبرد تنحدر الإنسانية ويبيع الجميع بعضه.
تهل علينا الذكرى 46 من نصر أكتوبر 1973 بينما إسرائيل تعلن فى إعلامها عن خطة سلام طرحتها على دول الخليج العربى فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة، تنص على تطوير علاقات الصداقة والتعاون بين دول الخليج وإسرائيل وتعزيزها، واتخاذ التدابير اللازمة والفعالة لضمان منع اتخاذ أى خطوات خاصة بالتهديدات بالحرب والعداء والأعمال التخريبية والعنف والتحريض بين الطرفين تجاه بعضهما البعض، وعدم انضمام أى طرف فى الاتفاق -إسرائيل ودول الخليج- إلى ائتلاف أو منظمة أو تحالف مع أى طرف ثالث له طابع عسكرى أو أمنى أو الترويج له أو مساعدته. بالطبع يأتى ذلك دون وعود بحل القضية الفلسطينية، أو إنهاء الصراع العربى الإسرائيلى. يأتى هذا بعدما سلمت دول الخليج، فى مؤتمر بولندا فى مارس الماضى، لإسرائيل، بفهمهم الخاطئ للعدو على مدار سنوات مضت وأنها ليست العدو الذى ظنوه. يأتى هذا وبلادى ترفض ما سموه صفقة القرن وما حاولوا فرضه من «ناتو» عربى إسرائيلى ضد إيران.
تهل ذكرى أكتوبر 1973 ونحن نواجه خطر تركيا المموِّلة لفوضى فى بلادى، بين استفزازات التنقيب عن الغاز فى شرق المتوسط، وبين إعلام إخوانى مغيب للعقول، ونشاط إخوانى قذر على الأرض. تقرأ تصريحات الإخوانى خالد المهدى الذى قُبض عليه وحُقق معه فى الكويت قبل تسليمه لمصر مؤخراً، والمنشورة فى جريدة القبس الكويتية، لتسأل: أما لهذا الحراك الشيطانى من آخر؟ حيث يقول إن الإخوان قرروا نقل إقامتهم وأموالهم بشكل كامل وأكبر إلى إيران وتركيا وألمانيا ولندن وأمريكا اللاتينية بعد التضييقات الأخيرة عليهم فى دول عربية وخليجية، وكيف قامت قيادات الإخوان، بينهم مختار العشرى ومدحت الحداد، بتوزيع مبالغ مالية كبيرة على شباب الجماعة للسفر إلى ليبيا للانضمام لمعسكرات المجموعات المسلحة التى أنشأها التنظيم هناك للقيام بعمليات إرهابية فى ليبيا وتأهيل المصريين على حمل السلاح ثم القيام بعمليات داخل مصر.. فأى تآمر هذا؟
يأتى أكتوبر فى ذكراه الـ46 بينما تواجه بلادى تحديات التعنت الإثيوبى المستمرة منذ العام 2011 فى بناء سد ادعوا أنه للنهضة، بينما كافة تقارير العالم تؤكد أن ارتفاعه وحجمه غير ملائمين للتربة البازلتية المقام عليها، وزيادة احتمالات انهياره بسبب ضعف درجات الأمان فى الإنشاء وهشاشة التربة. ورغم الصبر المصرى الساعى لإتمام المفاوضات فى هدوء، تتشبث إثيوبيا بموقفها المدعوم من إسرائيل الساعية منذ سنوات لمياه النيل، فلو أنها منعت مياهه حينما طلبتها وقت مفاوضات السلام، فإنها تسعى لتعطيشنا فى حرب جديدة تقودها من وراء الستار. ولكن كما قالت بلادى دوماً: «مياه نهر النيل أمن قومى وخط أحمر لا مساس به، لأنها مسألة حياة أو موت».
يأتى أكتوبر علينا بينما بلادى فى حرب وجود حقيقية تحتاج إنتاجنا ووعينا. فعاش أكتوبر، وخلد الله ذكرى من صنعوه عيداً.