بقلم: نشوى الحوفى
لا بد من التوقف كثيراً مع إعلان الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء مؤخراً عن ارتفاع معدل الفقر فى مصر من 27.8% فى 2014- 2015 إلى 32.5% فى 2017 -2018 بعد دراسة استمرت لمدة عام على الدخل والإنفاق فى مصر، فهل تعنى الأرقام زيادة الفقر فى بلدنا؟
القراءة فى بيانات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء تقول:
أولاً: هناك علاقة وثيقة بين زيادة السكان وزيادة معدلات الفقر، فنسبة الفقر فى الأسر التى لا يقل عدد سكانها عن 10 أفراد تقدر بنحو 70%، بينما تصل إلى 6% فقط فى الأسر التى لا يتجاوز عددها 5 أفراد، أى إن الفقر هنا اختيارى لدى من ينجب أطفالاً بلا وعى ثم يحدث الدولة عن البحبوحة فى العيش.
ثانياً: وفقاً لبيانات الدراسة فإن معدلات الفقر تتناقص مع ارتفاع مستوى التعليم، فتصل إلى 39.2% بين الأميين، و28.6% بين الحاصلين على التعليم الفنى، بينما تقدر بنحو 11.8% بين الحاصلين على شهادات جامعية و5.5% بين الحاصلين على الماجستير والدكتوراه، وهذا يعنى حاجتنا إلى تطوير التعليم وبخاصة الفنى، وبخطوات جادة مع ربط مخرجاته بسوق العمل لإتاحة فرص حقيقية للقضاء على الفقر ووقف إهدار المال العام على تعليم لا يأتى بعائد.
ثالثاً: لا تزال أسيوط هى المحافظة الأعلى فى نسبة الفقر بين محافظات مصر فى العام 2017-2018 تليها محافظة سوهاج، وهو ما يعنى ضرورة توجيه المزيد من الاستثمار ومشاريع ريادة الأعمال والمشاريع متناهية الصغر إلى محافظات الصعيد، ولكن مع ضرورة إيجاد أماكن التدريب على الصناعات والمهن المختلفة من قبل المستثمرين لتكون العمالة من أهل تلك المحافظات، تماماً كما فعلت شركة سيمنز عند بدء عملها فى بنى سويف لإنشاء إحدى محطات الكهرباء الثلاث التى أنشأتها فى مصر.
رابعاً: من هنا أتوقف أمام رقم آخر فى الدراسة، يؤكد أن نسبة العاملين فى الاقتصاد غير الرسمى فى مصر تبلغ 50% من حجم العمالة، بينما يمثل هذا الاقتصاد 40% من الناتج القومى المصرى، وهو ما يعنى أمرين، أولهما ضرورة الإسراع فى تنفيذ عملية الشمول المالى وتحويل الاقتصاد غير الرسمى إلى اقتصاد رسمى، وكذلك التعرف على مفهوم الفقر والحياة الكريمة لدى الفئات الفقيرة وضرورة ربطها بمفهوم التنمية المستدامة التى تنشدها الدولة.
فقد شاهدت الأفلام التى عرضتها وزارة التضامن فى مؤتمر الشباب الأخير فى العاصمة الإدارية، الخاصة بحصر تلك الفئات والتعرف على احتياجاتهم، وكلهم ينتظرون من الدولة بناء البيوت وإيجاد العمل وتوصيل المياه والكهرباء والصرف الصحى، وهى حقوق مشروعة بلا شك، ولكن سيظل إحساس الفقر يطاردهم لو لم يكونوا جزءاً من إعادة التنمية والتطوير، وستبقى العلاقة بينهم وبين الدولة علاقة إحسان لا تنمية للبشر ما داموا ينتظرون العطاء دون مشاركة منهم فى البناء والتطوير والتنمية، فما المانع أن يتم الاتفاق مع الأهالى فى مبادرة حياة كريمة لكى يكونوا هم عمال التنمية والتطوير لقراهم، ويدفع لهم أجر العمالة حسب التخصص تحت إشراف متخصصين، ثم إقامة مراكز تدريب فى تلك القرى على مشروعات ستتم إقامتها فيها.
وأخيراً.. أعلم أن تعريف الفقر لدى الأمم المتحدة مرتبط بمن يقل دخله عن نحو 1.9 دولار فى اليوم، ولكننى أؤمن أكثر بمقولة على بن أبى طالب حين نصح ابنه الحسن بأن أغنى الغنى العقل وأكبر الفقر الحُمق، ومن هنا علينا كدولة ومواطنين إعادة صياغة فهمنا للفقر وعلاجه، فكما نحتاج لحضور الحماية المجتمعية التى تسعى الدولة لتوفيرها، نحتاج أيضاً لرؤية شاملة وتطوير للبشر حتى لا يعيشوا فقر النفوس.